لتحديد ماهية الحاكم في العالم العربي لابد من العودة للتاريخ حتى يتبيّن لنا أن الدين السياسي استخدم دوماً لتبرير الحاكميات الظالمة، ومن المدهش أن كل الملل والنحل المتفرعة من علوم الكلام والرأي والتفسير تساوت في هذا الجانب، وكان انتهاك فقه المرجعيات الدينية أصلاً أصيلاً لتبرير تلك الحاكميات . في الزيدية اليمانية التاريخية نص فقه الحاكمية على اختيار الإمام الذي يجمع بين المرجعية الدينية والحاكمية الدنيوية، ولكن بعد أن تنطبق عليه شروط الإمامة المسطورة، وعلى أن يتم اختياره من المنتمين للمذهب ودونما تمييز سلالي أو عرقي، غيرأن ماحدث تاريخياً كان مفارقاً لهذه الشروط التي تمّ انتهاكها من قبل الأئمة المتواترين ممّن حولوا الإمامة إلى وراثة، وكيفوا شروط المذهب على مقاسات الأُسر الحاكمة باسم الإمامة، والمذهب منه براء . هذا ما حصل أيضاً وتاريخياً في الإمامة الإباضية العمانية التي تشابه الزيدية في مرجعية الحاكمية، لكن هذه المرجعية تحوّلت إلى بنية سُلطانية متوارثة تتجاوز المسطور في أساس الفقه. وعند الشيعة الجعفرية ذات الظلال الوافرة في مشرق العالم العربي لايجمع الإمام بين المرجعية الدينية والحاكمية الدنيوية، غير أن الإمام الخميني اجترح فقهه الخاص، وقال بولاية الفقيه، مُشرعاً لإمامة دنيوية ناجزة مازالت تواصل انتاج نفسها بالرغم من الادعاء بأن وريثه علي خامنئي ليس رئيساً للدولة. وعند السنة الأشعرية بصنوف الوانها الفقهية إجماع أساسي على اختيار الحاكم عبر المبايعة الجماعية، غير أن الحاكمية التاريخية المُجيرة على فقه السنة تحولت الى مرجعية سُلطانية بيتية مازالت تتواتر إلى يومنا هذا ، بل إنها رمت بظلالها الكئيبة على بعض فرقاء النظام الجمهوري العربي ممن استأنسوا بفكرة التوريث . هل يمكننا القول بأن الحاكم العربي المعاصر سواء كان رئيساً أو أميراً أوسلطاناً أو ملكاً، فارق جوهرياً فقه التاريخ القادم من مركزية السلطان، والحاكمية المقرون بالمُلك ؟ سؤال يستحق وقفة قادمة يوم غد.