قلنا بالأمس: إن الزيدية والإباضية التاريخيتين اليمانيتين استبدلتا فقه الحاكمية المنصوص عليهما في أدبيات المذهبين بفقه دنيوي يُجير الإمامة على العائلة، وبهذا المعنى فارقتا مبدئياً ما كان منصوصاً عليه في الأدبيات الدينية والسياسية لدى المذهبين، لكن هذا الأمر اتخذ طابعاً أكثر راديكالية في الانتهاك عند الشيعة الجعفرية التي تحولت تباعاً إلى نوع من الارستقراطية الدينية الكهنوتية المفارقة أيضاً لمقاصد الحاكمية الإمامية في المذهب .. آية ذلك أن المسار الدنيوي للحاكمية الشيعية الجعفرية كان ومازال تعبيراً صريحاً عن انتهاك المذهب ذاته!!، ذلك أنه تم استبدال دور الإمام كناصح للحاكم إلى أن يصبح ذلك المرجع الديني «الإمام » ممثلاً لحاكمية دنيوية ناجزة للإمام الشيعي الجعفري، وصولاً إلى كبح جماح الحاكمية الدنيوية الرائية للفعل السياسي وتضاريسه المترجرجة، وتمثل إيران المعاصرة خير دليل على مدى الانتهاك التاريخي لمفهوم الإمامة في الفقه الشيعي الجعفري، فالإمام علي خامنئي لم يعد مساعداً للحاكم الدنيوي وناصحاً له درءاً لمفاسد السلطة وغوايتها، كما تنص الأدبيات العقدية للشيعة الجعفرية، بل أصبح الحاكم الفعلي من وراء الكواليس، وفي العلن، ولعل الانتخابات الإيرانية الأخيرة خير شاهد على ما نذهب إليه. الحاكمية الزيدية التاريخية تختلف تماماً عن الشيعة الإثني عشرية، فالإمام الزيدي يجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية، وهكذا هو الحال بالنسبة للإمامة الإباضية التاريخية. أوردت هذه المقدمة للإشارة إلى التفارق الجوهري بين مفهوم الحاكمية عند الزيدية والشيعة الجعفرية الإيرانية ،مما يلتبس على الكثيرين، لكن الأهم من هذا وذاك أن فقه الزيدية يختلف أيضاً وجوهراً عن فقه الشيعة الجعفرية، ولقد بين العلامة الشوكاني-وهو أحد كبار فقهاء الدين ممن أصّلوا فقه الزيدية من خلال التماس الوسطية الدينية، وردم الهوة المُفتعلة بين الشافعية السنية والزيدية الاعتزالية «نسبة إلى فقه المعتزلة» - بين لنا أنه لا تكاد توجد فروق واضحة بين المذهبين في الأصول والفروع، ولهذا السبب كانت نقطة اللقاء التاريخي بين المذهبين اليمانيين الإسلاميين الوسطية الناجزة، مما نراه ماثلاً في كل أوجه الحياة، فالمساجد واحدة والطقوس واحدة والتواشج الاجتماعي الحياتي شامل.