تعتبر عادة تناول القات جزءاً هاماً لا يتجزأ من برنامج أغلب اليمنيين اليومي. مبررات هذه العادة كما نعلم كثيرة فهي السبب في تجمع الأحبة في المجالس وهي الميسر لاجتماع الأصحاب لمناقشة أمور حياتهم اليومية وهي أيضاً فرصة لإكمال الكثير من موظفي المكاتب لأعمالهم برفقة زملائهم. ليس هذا فحسب فالمقايل هي ساحة لاستذكار الدروس للطلبة مع بعضهم البعض وملتقى لصناع القرار ليقرروا مصير هذا الشعب بين جدران هذا المجلس الحميم الذي يخشى كل منهم أن يدخل الشانيني من أي (خزقي). ومبررات أخرى كثيرة تزخر بها أذهان هؤلاء المواطنين على مختلف مستوياتهم المعيشية والثقافية. هذه المجالس أيضا توفر فرصة الهروب من واقع أليم يعيشه الكثيرون فيفضلون نسيانه بوريقات خضراء يقذفون بها من أفواههم آخر اليوم وكأنهم يقذفون همومهم ومشاكلهم معها إلى غير رجعة.. لكن هنا تقع الطامه الكبرى.. يستيقظ هؤلاء ليبدأوا يوماً جديداً لا يختلف كثيرا عن يومهم السابق ليحين موعد الظهيرة وبالتالي لحظة الجنون وكيفية التحايل بهدف (التزويغ) للحصول على تلك (العلاقية) الحمراء أو السوداء التي تحوي بداخلها المكون نفسه الذي سيحملهم من جديد إلى عالم الأمان المفترض.. طيب، قد يقول البعض فلنبرر لهؤلاء هروبهم من هذا الواقع حرام، لكن ماذا عن أولئك الأجانب الذين أحضرتهم أعمالهم إلى أرض السعيدة فقرروا أن يكون القات أيضا أحد رفاقهم في فترة بقائهم في اليمن وجزءاً مقدساً من برنامجهم الأسبوعي غالبا؟ ما الذي يجبرهم على التمسك بمثل هكذا عادة يا ترى؟... أتذكر أن والدي قال لي ذات مرة أنه في ليلة زفافه دخل مجموعة من الفرنسيين (ذكوراً وإناثاً) يشاركون المجلس فرحتهم وكانوا من أوائل المخزنين في تلك الليلة. إذاً الموضوع مش جديد يا جماعة كون والدي تزوج في السبعينيات، واليوم نجد الكثير من الأجانب على اختلاف جنسياتهم يحضرون المقايل ويمضغون القات بطريقة سلسلة تبعث برسالة للجميع مفادها (نحن مستمتعون ومتمكنون من مزاولة هذه العادة بحرفية عالية).. لذا قررت أن أتوجه بالسؤال إلى الألمانية (ر) لماذا تحبين القات؟ فأجابت: لماذا أنت لا تحبينه؟ أجبتها لانه يسيئ لصحتي ويهدر وقتي ومالي.. فأجابت أعرف أن كلامك صحيح إلا أني أجد متعة كبيرة في تناوله كوني أشعر بالوحدة هنا وهو الوسيلة الأمثل لألتقي بزملاء عملي.. أما الفرنسية (ج) فتقول إنها تتناول القات منذ فترة طويلة جدا كون أغلب أصدقائها من اليمنيين ويمارسون هذه العادة بشكل مستمر فتعودت عليها شأنها شأنهم.. الطريقة التي كانت تمسك بها (ج) وريقات القات وتقطفها وتدخلها فمها تدل على خبرة عالية وباع طويل في ممارسة هذه العادة.. وقتها فكرت في ماهية الأمور التي نحاول تعلمها والحصول عليها عندما نكون في بلدانهم من علم ومعرفة وعادات قيمة كالالتزام والإتقان والتفاني، وفي ما يحصلون عليه هؤلاء عندما يعيشون في وطننا الحبيب بين أفراد هذا الشعب الطيب الذي أنا على ثقة بأنهم يتعلمون الكثير من قيم أهله كالطيبة والكرم والتسامح.. بالإضافة إلى قيمة رائعة وعادة حميدة أرجو أن لاتنسوها يا جماعة الخير تدعى «عادة تناول القات» يلّه كل واحد يقدم اللي على قدره.. وحي الله كل من جانا..