كلما يمر الذكر على الألمان أتذكر المثل:« الضربة التي لاتكسر الظهر تقويه»،فهذا الشعب الذي ماكاد يدفن ضحايا الحرب العالمية الثانية حتى وجد نفسه عالقاً في ويلات التشطير هو نفسه أسطورة اليوم التي تبهرنا بعظمة الإنجاز.. نزار العبادي أعتقد أن هول الخراب والدمار الذي طال ألمانيا قبل أكثر من 62 عاماً علم الشعب الألماني عشق البناء،مثلما علمهم الموت فنّ الانبعاث، وتجديد الحياة.. لذلك نجدهم في اليمن منهمكين في إحياء الموروث الحضاري اليمني، وترميم الأبنية الأثرية، وتدريب الناس البسطاء على فن صناعة الحياة الكريمة،وكيف يكسبون خبزهم من عمل أيديهم،ويستثمرون بيئتهم الطبيعية حتى لو كانت مجرد مدينة طينية متهالكة.. قبل بضع سنوات قرر الألمان ترميم مدينة شبام الطينية بحضرموت، فاستقدموا فريقاً من الخبراء من مواطنيهم،وباشروا تنفيذ مشروعهم بكل هدوء، كان أهالي شبام وحدهم من يعلم بحقيقة مايجري لأن الألمان حرصوا على أن يكون مشروعهم فاتحة مزيد من فرص العمل لأبناء المدينة.. لكننا قبل شهرين كلنا تفاجأنا بالإعلان العالمي بأن الألمان حققوا معجزة في شبام استحقت جائزة السلطان آغاخان في ماليزيا.. فعمارات الطين المتهالكة عادت منتصبة بشموخ.. والمدينة الخراب تحولت إلى مدينة مأهولة تنبض بالحياة،وتتوفر فيها كل المشاريع الخدمية الأساسية.. أما أولئك السكان البائسون فقد أصبحوا في عداد قوة العمل الماهرة بعد أن دربهم الألمان على مهارات مختلفة، وحتى نساؤهم دخلت حسابات سوق العمل.. قبل شهر تقريباً احتفلت السفارة الألمانية بصنعاء بفريق العمل، وقام سعادة السفير ذي الوجه البشوش بتكريمهم.. لكنهم على مايبدو كانوا أكثر سعادة منا بما تحقق كونهم يتذوقون الحياة على طريقة من جرب من قبل قساوة الموت والخراب.. لذلك فهم سيقيمون غداً احتفالاً مهيباً في شبام وسيغادر سعادة السفير صنعاء إليهم حاملاً معه جائزة آغا خان العالمية، وشيكاً مالياً تبرع به الأديب غونتر غراس خلال زيارته لليمن عام 2005م،كما سيحمل معه صوراً فوتوغرافية من معرض الفنان«هيلفرتيس» الذي سبق أن تم عرضه تحت عنوان «الفضول دفعني للترحال»، وسيقوم السفير بتقديم الصور هدية لمتحف سيئون! لاشك أنها حفاوة مابعدها حفاوة، وشعور بالسعادة كما لو أنهم بعثوا الحياة في مدينة ألمانية وليست يمنية.. ولعل هذا الاحساس الرائع هو الذي يدفعهم أيضاً لتبني مشروع إحياء مدينة زبيد أيضاً.. الألمان ينجزون كل شيء بهدوء، وبدون أن يمنّوا على أحد.. فقبل ثلاثة أيام وقعوا عقوداً تنموية مع اليمن بحوالي «107» ملايين دولار.. ومن يتعقب أدوارهم الإنسانية والتنموية في اليمن سيقف أمام جهود جبارة في مختلف محافظات الجمهورية.. ومن يجرب العمل مع الألمان سيكتشف أنهم أناس جادون جداً في وظائفهم، ومنظمون، ولايضيعون ساعة واحدة من أوقات عملهم. إن قساوة التجربة التي عاشها الشعب الألماني قبل الوحدة في 3 اكتوبر 1990،جعلت منهم شعباً متحدياً بقوة لكل الظروف، ويراهن دائماً على إرادته في النجاح.. وهو ما استطاع تحقيقه على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والدولية.. وغيرها. هناك تشابه كبير بين ألمانياواليمن من حيث الظروف التاريخية، فكلاهما عانى من التشطير،وكلاهما حقق الوحدة في نفس العام، وكلاهما عازم على تعويض الماضي، لكن الاختلاف الوحيد يكمن في الامكانيات المادية التي تتفوق بها ألمانيا على اليمن.. ولهذا السبب الألمان هنا في اليمن لمساعدة شعبنا، ولأنهم يتحسسون معاناتنا.. فياليتنا نتعلم منهم فنّ صنع الحياة.. فشكراً لألمانيا لأنها تعيش بإنسانية كاملة، وإرادة غير منقوصة، وبقلب يتسع لحب الجميع..