في ساعات متأخرة من ليلة الأحد الماضي ووسط زمهرير صنعاء هرع جاري نحوي مستغيثاً لإسعاف وليده البكر والذي لم تمض على ولادته سوى ساعات قليلة وهو يلفه بعدد من البطانيات تقيه من شدة البرودة والجو. فأقللته بسيارتي إلى مستشفى السبعين باعتباره متخصصاً بالأمومة والطفولة لعل هذا الوليد يجد الاهتمام والرعاية اللازمة لا سيما وأنه يعاني مشاكل في التنفس. لكن بمجرد الدخول إلى قسم الطوارئ وقبل أن أركن سيارتي جانباً رأيت «بشير» وعمته عائدين كما دخلا.. ويبدو أن ملائكة الرحمة لم يلقوا حتى ولو مجرد نظرة إلى ما يعاني الطفل وذلك بحجة عدم وجود مكانٍ خال في الحضانة المخصصة لمثل هؤلاء المواليد. هؤلاء الملائكة نصحونا بالتوجه إلى مستشفى الأم وهو مستشفى خاص، حيث وجدنا فيه العلاج ولكن بثمن باهظ حيث طُلب مبلغ ستة آلاف ريال مقابل كل يوم في الحضانة دون قيمة الاوكسجين والمستلزمات الأخرى وهو المبلغ الذي يفوق قدرة هذه الأسرة حديثة التكوين وغيرها من الأسر البسيطة وهنا لم يكن أمام والد الطفل إلا خياران إما الدفع وإما ترك طفله يموت جراء المرض طبعاً كان مع الخيار الأول لأنه طفله الأول ومستعد لعمل المستحيل من أجل إنقاذه لكن ماباليد حيلة. في مثل هذه الأماكن لاتجد للمفردات الإنسانية كالرحمة والشفقة والتعاون والخير أي معنى فالقائمون على المستشفى وغيرهم لايعرفون سوى مبدأ واحد وهو المال. وبينما الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ليلاً استقر بنا الحال والترحال في مستشفى الثورة وهنا اصطدمنا بخيبة أمل أخرى تمثلت في الزحام الشديد وعدم وجود مكان خال أمام حالة تتطلب شيئاً من الضمير والتعامل الإنساني. انهمرت الدموع على خدي والد الطفل الذي لم يفرح بعد بقدوم طفله الأول فيما عمته تتخبط، لا تدري ماذا تفعل ولمن تشتكي وهي تشعر في قرارة نفسها بأن الطفل سيموت على ذراعيها. هذا المنتظر أثر في نفسي فاتصلت بأحد الأطباء ليساعدني في إيجاد مكان للطفل في حضانة المستشفى الجمهوري وفعلاً دخل الطفل الحضانة بعد رحلة ليلية مليئة بالعناء والتعب لم أتصور معها أبداً أننا سنصل إلى هذه الحالة. سارع والد الطفل لشراء كافة الأدوية والمستلزمات العلاجية الاسعافية وإجراء الفحوصات اللازمة في المختبر المقابل لواجهة المستشفى ليرتسم بعدها على محيا الأب وعمته نوع من التفاؤل بإمكانية انقاذ الطفل حتى يعود إلى أحضان والدته مجدداً وهي التي لم تُشبع عينيها بعد من ولدها الرضيع ومن احتضانه لكن القدر كان لايزال يخبئ أمراً لهذا الوليد وأسرته فقد طلب الطبيب المختص من الأب العودة صباحاً ليتبرع بالدم للطفل. لكن ذلك الصباح كان أشد قسوة من ليل التعب والمعاناة حيث فجع الأب بخبر وفاة طفله الرضيع الذي رأى الموت قبل أن يرى الحياة. فما رأي وزير الصحة بذلك ومتى تقدم مستشفياتنا خدماتها الطبية لإنقاذ حياة المواطنين