مازالت سفارة الولاياتالمتحدة بصنعاء تلقننا مواعظها الحقوقية والديمقراطية بمناسبة وغير مناسبة، ولاتترك لنا نشاطاً من غير أن تخطب فينا كقديس جليل، غير أنها ساعة العمل تذكرنا بمن يعلم الناس الصلاة وهو لايصلي!! سفارة أمريكا التي تداوم طوال العام على تصيّد «خطايانا» الديمقراطية، وتدوينها في تقريرها السنوي الخاص بحقوق الانسان فشلت مؤخراً في ضرب مثل صغير عن «تقواها» الحقوقية عندما رفضت منح طفل يمني - عضو في برلمان الأطفال - تأشيرة دخول إلى الولاياتالمتحدة، للمشاركة في مؤتمر لمنظمة اليونسيف بناءً على دعوة الأممالمتحدة، لأنها - على مايبدو - تنظر لأطفالنا بعين الخوف من أن يكون أحدهم زعيم القاعدة بن لادن متنكراً بهيئة طفل!! «مواعظ» قساوسة الديمقراطية والحريات الأمريكيين لم تجد لها محلاً على بوابة السفارة الأمريكية بصنعاء، وليس من حق أحد من اليمنيين إدانة فعل رفض منح التأشيرة لهذا الطفل، لأن الولاياتالمتحدة هي الدولة الوحيدة التي رفضت التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الأممالمتحدة، وبالتالي فإن الطفل لاحقوق له على صعيد التعاملات الدولية الأمريكية! ولعل المفارقة الأكثر غرابة أن يأتي هذا التصرف بعد أقل من أسبوع من حرمان السفارة لطالبات يمنيات من الدخول بالنقاب إلى السفارة تحت ذريعة «الاجراءات الأمنية»، رغم كل الأجهزة الالكترونية التي تستخدمها السفارة للكشف عن الأسلحة والمواد الخطرة.. وربما الأمر لايتعدى أن يكون خوفاً من فتياتنا أن ينقلن «عدوى» الاسلام للموظفات غير المسلمات العاملات في السفارة..!! ففي زمن المحافظين الأمريكيين، وابنة أحد القساوسة الراهبة «رايس» لم تجد الحريات الدينية مكاناً في لوائح الخارجية الأمريكية، فكيف الحال سيكون لو أمسك الديمقراطيون بزمام السلطة!؟ لعل هذه الانتهاكات تذكرني بموقف أمريكي أفضع، عندما نشرت قبل أقل من عامين مقالاً تحليلياً حول «المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي»، وانتقدت أنشطته في اليمن، ففوجئت بعد يومين بقيام رئيسة المعهد آنذاك «روبن مدريد» بتقديم عدة شكاوى إلى المسئولين اليمنيين تطالب بمعاقبتي بدعوى محاولة إفشال جهود المعهد في تعزيز الممارسات الديمقراطية والحريات السياسية، وحريات الصحافة..! ويومها اكتشفت أن المسئولين اليمنيين أكثر إيماناً ووعياً بالديمقراطية والحريات من الأمريكيين لأنهم أخبروا السيدة «مدريد» بأنهم لايستطيعون معاقبة كاتب على رأي أبداه!؟ كان مفترضاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن يسعى الأمريكيون إلى تحسين صورتهم في العالم العربي والاسلامي، ليمتصوا نقمة الرأي العام، إلاَّ أنهم فضلوا البدء ببرنامج حربي لغزو بعض الدول والبطش بشعوبها، وابتزاز دول أخرى، وتنفيذ أعمال بلطجة على قسم آخر من الدول.. في نفس الوقت الذي قاموا ببناء بعض التشكيلات الاسلامية الارهابية لتكون العصا التي يضربون بها المقاومة في البلدان المحتلة، ويزعزعون بها استقرار بعض الأنظمة. قد تنفع هذه الخطط على المدى القريب، ويحقق الأمريكيون بعض المآرب، ولكن ألا يفكرون بالمستقبل!؟ وكيف سيقنعون أطفالنا بأن هناك ثمة ديمقراطية يحملها الأمريكان للعالم!؟ فهل سيقتنع طفل عراقي بديمقراطية الأمريكان التي مرت فوق جسد أمه أو أبيه بالدبابة!؟ وهل سيقتنع طفل يمني بالديمقراطية المزعومة التي حرمته من حق تمثيل أطفال بلاده في مؤتمر ترعاه الأممالمتحدة!؟ وهل ستقتنع الفتاة اليمنية بديمقراطية تشترط عليها نزع الحجاب الاسلامي مقابل تأشيرة الدخول إلى أمريكا!؟ أطفالنا وبدون كل تلك الانتهاكات الحقوقية يحتفظون في رؤوسهم بصورة سيئة جداً للحياة الأمريكية، لم نكن نحن المسئولين عن رسمها في أذهانهم، بل إنها صنيعة الاعلام الأمريكي وتلك الأفلام التي حرص الأمريكيون على الظهور فيها بمظاهر الإدمان على الخمر، والتفسخ الأخلاقي، والقتل، والفوضى، والتفكك الأسري..إلخ.. ومن هنا نقول: إننا عاجزون تماماً على جعل أبنائنا يحبون أمريكا ما لم يبدأ الأمريكان بتغيير سياساتهم، وتصحيح معاملتهم لشعوبنا.. وفوق ذلك انتاج أفلام سينمائية تنقل لأطفالنا صورة الجانب الايجابي الحميم في حياة المجتمع الأمريكي.. ليصدقوا أن أمريكا ليست هوليوود!!