الذين يعتقدون أن بمقدورهم الانتقام من الهيئة الناخبة ومعاقبتها في لقمة عيشها وفي وحدتها وقوتها عن طريق الاستخدام المتعسف للحرية والحق بالاتجاه الفوضوي الذي يشغل الحكومة بمشاكل والتزامات وأعباء جديدة بدلاً من التفرغ لحل المشاكل القديمة التي تراكمت عبر الماضي، يقعون بمواقف خاطئة بُنيت على حسابات باطلة، وما بُني على باطل فهو باطل، لأن للشعب حساباته الناتجة عن تراكم ما لديه من الوعي المستمد من الخبرة العملية. ومعنى ذلك أن الذين يعتقدون أن بمقدورهم استغفال الجماهير واستدراجها إلى ردود أفعال انفعالية غاضبة تفتقد إلى حكمة العقل وما توجبه من إحساس بالمسئولية الوطنية، يقعون في خطأ الخلط بين ما يجب أن تفكر به عقولهم وبين ما تدفعهم إليه عواطفهم اللا مسئولة من مواقف تسيء إلى أحزابهم السياسية المعارضة قبل أن تسيء إلى حكومة الأغلبية، نظراً لما توفره لها من مبررات موضوعية تساعدها في تقديم الأعذار المعقولة والمقبولة، تعيد الأسباب الحقيقية للفشل إلى انشغالها بملاحقة ما تقوم به المعارضة من المظاهرات والاعتصامات والمهرجانات اليومية والأسبوعية والشهرية التي تتخذ من الحق ثوباً فضفاضاً لتمرير الباطل الذي تنطق به الشعارات والهتافات وأحداث الشغب المدمرة للجهد والوقت لأن حماية الوحدة الوطنية والحفاظ على الأمن والاستقرار مقدمة على غيرها من المهام الخدمية والإنتاجية نظراً لما يوجد من ترابط جدلي بين الوحدة والأمن والاستقرار من جهة، وبين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، توجب على جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية تجنب الشبهات بعد أن أكدت التجربة العملية أن الفلول الانفصالية لا تفرق بين أحزاب المعارضة وبين الحزب الحاكم، وتفرق فقط بين الذين يطالبون بإصلاح النظام الواحد من منطلق إيمانهم بالوحدة، وبين الذين يطالبون باستبدال الدولة الوحدوية بدولتين إحداهما في الشمال والثانية في الجنوب تقاتلان بعضهما البعض وتأكلان الأخضر واليابس في صراعات وحروب قاتلة للحياة والحرية والأمل؛ لأنهم يؤمنون فقط أن اليمن يمنان، وأن الشعب شعبان، وأن الثورة ثورتان، وأن الدولة دولتان، وأن الشمالي مهما قدم من التضحيات ومهما قدم من التنازلات ومهما كان له من التعاطف مع إخوانه الجنوبيين إلا أنه شمالي ليس من حقه الاستفادة من ثرواتهم ومشاركتهم فيها حتى الجنوبيين الوحدويين أياً كانت الأحزاب والتنظيمات السياسية التي ينتمون إليها والتي يقودونها وسواء كانت حاكمة أو كانت معارضة، وكذا المسئولين في دولة الوحدة أياً كانت أحزابهم وأياً كانت مواقعهم القيادية في الدولة حتى ولو كانوا وحدويين مستقلين؛ هؤلاء لا يمكن للفلول المطالبة بالانفصال أن تنظر إليهم من زاوية الشراكة والأخوّة الوطنية المتبادلة طالما كانوا ضد ما يطلقونه عليه بالهوية الجنوبية، والقضية الجنوبية الأكبر من الديمقراطية والوحدة، وكان مقياس المواطنة أن تكون يمنياً جنوبياً لا يؤمن بالمواطنة المتساوية مع غيره من اليمنيين الشماليين، وأية وحدة يمنية تقوم على أساس الديمقراطية هي وحدة ظالمة تكرس الهيمنة الشمالية على الجنوبية مثلها في ذلك مثل أي نوع من أنواع الاحتلالات الاستعمارية. ومعنى ذلك أنهم يريدون وحدة قائمة على تقاسم السلطة والثروة بالمناصفة بغض النظر عن الزيادات السكانية؛ لأن أبناء الجنوب لابد أن يكون لهم نصف السلطة ونصف الثروة ونصف القوات المسلحة والأمن؛ أي دولتين داخل الدولة اليمنية الواحدة بصورة تتنافى مع كل الاتفاقات الوحدوية وما تمخض عنها من المؤسسات والمرجعيات الدستورية والقانونية، إنهم لا يطالبون بمواطنة تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، بقدر ما يطالبون بمواطنة ترفض المساواة وتجعل الجنوبي يعادل في حقوقه خمسة شماليين؛ لأن المطلوب من وجهة نظر هذه العناصر الموتورة حسب ما ينظر له محمد حيدرة مسدوس وحدة تقوم على إخضاع الأغلبية الساحقة من المواطنين للأقلية الجنوبية المطالبة بالانفصال؛ أي دولة دكتاتورية بدلاً من الدولة الديمقراطية، وحياة عبودية بدلاً من الحياة الحرة. أعود فأقول إن أحزاب المعارضة التي تحاول الاستفادة من هذا النوع من المظاهرات والاعتصامات اللامسؤولة للضغط على الحزب الحاكم تتحول من معارضة من أجل الوطن إلى معارضة للوطن والشعب والثورة والوحدة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الاجتماعية والمساواة قد ينتج عنها إضعاف صاحب القرار وإجباره على الدخول في مساومات ومراضاة مادية تؤثر على متطلبات التنمية وسيادة القانون؛ لكنها مساومات ومراضاة يستفيد منها الأفراد على حساب الإضرار بالكل قد تؤدي إلى حدوث مظالم جديدة تضاف إلى ما قبلها من المظالم القديمة وتفوقها التي اتخذ منها البعض كلمة حق للحصول على باطل مثل المطالب الحقوقية للمتقاعدين وأصحاب الأراضي المفتوحة البداية والقديمة النهاية التي يتخذ منها البعض مجرد بدايات ظاهرة للمطالبة بتمرير ما خلفها من إعادة الحياة للدولة الشطرية، فتكون المعارضة بهذا العمل التكتيكي قد اسهمت بقصد أو بغير قصد بوعي أو بغير وعي بالانتصار لمالا تؤمن به من إعادة الوطن والشعب اليمني إلى ما قبل الوحدة والديمقراطية بصورة تعيد التداول السلمي للسلطة عشرات السنوات إلى الخلف بدلاً من محاولة الاستفادة منها للتقدم عشرات الأعوام إلى الأمام في سباق المنافسة الانتخابية المشروعة لأن الهيئة الناخبة صاحبة المصلحة الحقيقة في الوحدة والديمقراطية سوف تحّمل المعارضة مسئولية مساندتهم لتلك الفلول الانفصالية الانتهازية التي تمسكنت خلف المطالبة بالحقوق إلى أن تمكنت من المطالبة بالانفصال، وهذه حقيقة نستدل عليها مما يُكتب ويُعلن من المواقف المتعاطفة مع من يطلقون على أنفسهم المظلومين الجنوبيين الذين يستدرون تعاطف الكثير من الشماليين ويستدرجونهم إلى تأييد ما لديهم من المطالب الظاهرة والمستترة، مستغلين بذلك خلافاتهم السياسية مع صاحب الأغلبية الحاكمة الأقرب إلى الذاتية منها إلى الموضوعية وركون الجميع إلى ما تمثله الوحدة والديمقراطية من مكاسب ضاربة جذورها في أعماق الشعب قد يكون هؤلاء الشماليون أفراداً وقد يكونون جماعات قبلية وقد يكونون أحزاباً وتنظيمياً سياسية وقد يكونون منظمات ونقابات واتحادات وجمعيات ومراكز وصحفاً أهلية، تطالب بالحصول على نصيب معين مما تعتقد أنه غنيمة.. فتجد في المطالبة بالانفصال نقاط ضعف لتكثيف ما لديها من الضغوط بدافع الحصول على مكاسب ذاتية؛ وكأن الوحدة تندرج في نطاق الملكية الخاصة لصاح الأغلبية الحاكمة دون غيره مهما بدت في قناعاتها الوحدوية غير مؤمنة بنجاح وبعدالة ما تطالب به هذه الأصوات النشاز إلا أنها تتظاهر بالتعاطف الكاذب معها كنوع من أساليب الضغط التكتيكية لإملاء ما لديها من الشروط على صاحب الأغلبية رغم علمها بخطورة المطالبة بالانفصال اليائس الذي لا أمل له في الانتصار؛ فتكون بتجويز تلك الأساليب الانتهازية قد أسهمت بقدر من المسئولية في انتشالهم من المستنقعات الآسنة لليأس إلى فضاءات واعدة بالأمل لا تنحصر أضرارها في نطاق المساس بالمصالح الذاتية لصاحب الأغلبية الحاكمة بقدر ما تتجاوز ذلك إلى الإضرار بالمصالح العامة العليا للوطن والشعب بما فيه ما لدى المعارضة من المصالح الذاتية باعتبارها جزءاً من الشعب اليمني المالك لهذا الوطن وما كان للعقلاء من الوطنيين الشرفاء أن يجيزوا لأنفسهم حق الدخول بمثل هذه التكتيكات الحاملة للعواقب الوخيمة، دون تفكير عميق واستشعار مسبق لماتنطوي عليه من الأخطار والأضرار الكارثية المحتملة على الجميع لأن تحكيم الارتجال والاحتكام للعفوية والانفعالية والعاطفية كثيراً ما يدفع أصحابه رغم إرادتهم إلى مواقف مخزية قد تشعرهم بالندم ولكن بعد فوات الأوان، إذا لم يفرقوا بين الثوابت والمتغيرات. أقول ذلك وأقصد به أن كل موقف يصدر عن الأفراد والأحزاب والتنظيمات في حاضرهم ينطوي على قدر من الاستقطاع من مستقبلهم وقدر من الإضافة إلى ماضيهم الشاهد عليهم سلباً وإيجاباً، لأن الفعل كالقول بمجرد وقوعه يفلت من امكانية الإلغاء يتحول إلى جزء من حاضر المرء وتاريخه الذي مهما حاول التنصل منه واستبداله بأعمال وأقوال مشرفة جديدة إلا أنها تضاف إلى ما قبلها وما بعدها من الإيجابيات دون قدرة على إلغاء ما قبلها وما بعدها من السلبيات قد تكون معادلة لها وقد تكون مرجحة لها في ميزان الحساب اللاهث، وقد لا تكون هذا ولاذاك أقل منها في ميزان المعادلة وميزان الترجيح أي قد تكون الإيجابيات أكثر من السلبيات وقد تكون السلبيات أكثر من الإيجابيات. لذلك قيل إن العقلانية القبلية السابقة للأقوال والأفعال سلاح مجرب في تحدي الأقدار ومجابهة الأخطار باقتدار يجنب صاحبه ما قد يصيبه من جراء المواجهة العفوية اللا معقولة من عواقب الركوب المجنون للأخطار وكأنها عواقب لا إرادية تندرج في نطاق القضاء والقدر غير القابل للحيلولة الإرادية العاقلة دون وقوعه لأن العقول الحاكمة للإرادات يجب أن تتقدم على الإرادة اللاحقة وتحكمها بما يحقق أفضل الأقول والأفعال.. أيها العقلاء من رجال السياسة والصحافة فكروا بما تشاركون به من أفعال وأقوال لا إرادية غير وحدوية وغير ديمقراطية قبل أن يقع الفأس بالرأس، وقبل أن تصبحوا على ما فعلتم نادمين من فلتان ما لديكم من عواطف. وتذكروا أن الوحدة هي الحاضر والمستقبل الذي ينتظركم وينتظر إخوانكم وآباءكم وأمهاتكم وتنتظر قبل ذلك أبناءكم وأحفادكم الذين تتمنون لهم حياة خالية من ذل الحاجة، وهوان البؤس والفقر وأن الانفصال لا يخلف لكم ولنا جميعاً سوى العواصف التي لا حصاد لها سوى الخراب والدمار المقترن بالدماء والدموع وفي أفضل الحالات المرض الأسوأ من الموت الذي يحكم فيه المرء على نفسه وشعبه عن جهل بالألم والضعف الذي لا أمل بالقوة والشفاء، تتخلف وتتألم فيه الشعوب مرات عديدة من هوان الحاجة قبل موتها المأساوي المحزن فتحكم على حاضرها ومستقبلها بحياة متخلفة ومفتعلة - كل ما هو ذميم وقبيح من الهجوم الناتج عن غلبة الجوع المطلق على قدر مقبول من القوت الضروري. إن الشعب اليمني الصابر على صنوف المحن وأنواع لا حصر لها من كوارث الدهر، الذي فرض عليه التنظير رغم إرادته، لم يعد يقبل بالعودة إلى داخل الدوامة الانفصالية الضيقة. وما ألحقته به تلك المحن والكوارث من أهوال جعلت الحياة فيها أسوأ من الموت.. أقول ذلك وأنا على يقين مما ينطوي عليه القول من العظة والعبرة بأن على الذين يطلقون العنان لإراداتهم على عقولهم أن يتذكروا باستمرار ان واجبهم يحتم عليهم تحكيم العقل ،وإذا كانت العقلانية تقول بأن الوحدة تعني الحياة القوية، فإن الانفصال لا يعني لنا سوى الضعف والموت. فهل تريدون لنا عقاب الموت رداً على ما ما نريده لكم من عافية الحياة ايها الانفصاليون الظلمة؟.