أفل نجم آخر في الأسبوع المنصرم لملاقاة ربه الكريم.. إنه الزميل والرفيق السابق الأستاذ المناضل عبدالكريم حمود الصوفي، وفي تقدير الكثيرين من أبناء هذا الوطن إن الوفاة بهذه الأيام راحة وهدوء من العديد من المشكلات والمحن.. إنه زمن الأنفاق المظلمة وزمن الرَّداءة وقطيعة المودة والرحمة.. فكاتب هذه السطور والمرحوم الآنف الذكر يقطنان بمدينة واحدة ولعقد من السنين لم يرَ أحدنا الآخر.. فلا أدري أهي السياسة، أم الخساسة لدى بعض الوشاة الذين يؤججون الخلافات بوجهات النظر بين الزملاء والأصدقاء أم هو نضب وقصور في علاقاتنا نحن، فلم يعد المرء يدري ويعلم أسباب كل هذا الجفاء والصدود بين الناس، أم أنها ياترى العادات والتقاليد التي ترسخت في أذهان الكثيرين تلك العادات التي تفرض عليك إن أردت زيارة صديق لك أو قريب فلا بد من أن تتأبط «رزمة» قات تملأ الحضن والعين.. وهذه حقيقة واقعة فالمرء الذاهب إلى أي مبرز أو مقيل لملاقاة الصِّحاب والأصدقاء فلا بد وأن يضع بحسبانه «قاته» وإذا ماحدث وذهب بدون قات فإن كل من كان بالديوان والمبرز، والمقيل يتبادلون النظرات الشزراء من وإلى هذا القادم التعيس، ويتجاهلونه وكأنه كمن ارتكب خطيئة أو ذنباً أما إذا أقبل عليهم متأبطاً «رزم» القات وتوابعه المختلفة فإن الكل يستقبله بالبشاشة، والاستبشار والترحاب....إلخ، إننا بحاجة ماسة لا لمراجعة ايديولوجيات وأفكار خمسينيات القرن المنصرم وحسب إنما لمراجعة الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، التي تحول بيننا وبين قيمنا الإنسانية الصحيحة.. عود على بدء مستهل موضوعي هذا، وقولي أو توصيفي للزميل الراحل بالرفيق، ولتوضيح هذه النقطة فإن المرحوم قد كان في بداية ستينيات القرن المنصرم مسئولاً لقيادة فرقة منظمة حزب البعث العربي الاشتراكي بمحافظة تعز، وحسب علمي إنه قد استمر حتى وفاته.. بينما أنا توقفت عن أي نشاط حزبي في أواخر سبعينيات القرن المنصرم، ولم يعد لي أي التزام يذكر، وليس معنى عدم الالتزام الحزبي انقطاع الشخص تماماً عن دوره ومساهماته في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد، وإنما عدم التزامه بالخط السياسي للحزب الذي ينتمي إليه. وقد جاء انقطاعي وتوقفي عن العمل الحزبي عقب فترة سجن ظالمة هدَّت كياني بداية السبعينيات، ولم أكن لوحدي بين عشرات المساجين الذين أودعوا سجن القلعة والرَّاذع، فما أحوجنا إلى أن نرقى بعلاقاتنا الاجتماعية، إلى مستويات أفضل مما هي عليه.. وصدقوني لم أكن أعلم بمرض الأخ عبدالكريم ولا بسفره إلى دمشق، وكنت في عيد الفطر المنصرم قد تواصلت معه للتهنئة بحلول العيد ولم يكن من خلال صوته يبدو عليه المرض، وما أقصده برقي علاقاتنا الاجتماعية والحزبية هو أن لايتصور البعض ممن لايزالون على انتماءاتهم الحزبية والتزامهم بأهداف ومبادىء الحزب أن من توقف نشاطه وخرج عن خط الحزب، انقطعت كل صلاته بالحياة الاجتماعية والسياسية، لا أبداً وكل مافي الأمر أن هذاالشخص أو ذاك باتت له رؤى جديدة ووجهة نظر تشكلت أو كانت نتاج متغيرات وتطورات برزت خلال عقود من الزمن.. وكان من الأهمية بمكان محاكاة هذه التطورات والعمل على إيجاد الصِّيغ العملية لتلبية احتياجات الواقع المعيش وتجاوز العديد من أساليب العمل التقليدي الذي لاينم إلاَّ عن جمود بالعلاقات.. بالعالم المتقدم تجد العديد من الأسر التي لها أكثر من شخص كل واحد قد ينتسب إلى حزب سياسي معين.. ورغم تباين كل حزب بمبادئه وأهدافه.. فإن علاقات أبناء هذه الأسرة وبناتها تبقى هي هي وتبقى علاقاتهم الأخوية صحيحة وسليمة وشعارهم الدائم: في أن «الخلاف في وجهات النظر لايفسد للود قضية» وهكذا نريد لعلاقاتنا أن تبقى.. نختلف على مصلحة الوطن ونتفق على نفس المصلحة.