في أسبوع واحد فارقنا إلى دار البقاء شيخان جليلان من مشائخ الحكمة والإيمان في اليمن.. الأول هو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ مشائخ اليمن والذي أسماه إمام المجاهدين الرئيس القائد صدام حسين المجيد قدس الله سره . ب"حكيم اليمن".. والثاني هو الشيخ محفوظ سالم شماخ، شيخ مشائخ تجار اليمن وحكيمهم، كما اصطلحوا على تسميته، وكلاهما كانا من قيادات التجمع اليمني للإصلاح الذي تولى أولهما رئاسته والثاني عضو هيئته العليا.. لكنهما قد فارقا حزبهما وهما في قمته بمواقفهما التي قرأا من خلالها ما تحيكه دوائر الغرب للعرب والمسلمين من مؤامرات وما تريده بهم من شرور، وعلما كيف أن هذه الدوائر تستخدم لتمريرها وجوه الفتنه من غلمان السياسة في مختلف الأحزاب السياسية في الداخل والخارج ممن ينعتون بالمعارضة. لقد ظهر افتراقهما عن غلمان الساسة واضحاً وجلياً في انتخابات الرئاسة اليمنية الأخيرة، حيث فارقا حزبهما وهو الحزب الذي ضمه ومجموعة من الأحزاب ما سمي ب"اللقاء المشترك". كان غلمان السياسة ينفذون إرادات وافدة ويريدون تحقيق مشيئة غربية من شأنها تفجير الأوضاع السياسية والعرقية والطائفية والمناطقية في طريق تحقيق أحلام بوش وعرافته رايس اللذين أعدا مشروعهما التدميري للمنطقة بالتحالف مع حلفائهم الصفويين والصهاينة تحت عنوان "الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة" بحيث لا يبقى وضع من أوضاع بلدان المنطقة هادئاً ومستقراً مطلقاً. في هذا الوقت بالذات وحيث كان غلمان السياسة يستقدمون مرشحهم المبدع (!!) الخلاق (!!) الذي من شأنه أن يحقق أحلام المشروع الكبير ويمحو المفاسد!! ويبني الدولة الحديثة!! التي لا تشبهها إلا دولة الاحتلال في العراق الشقيق!!. في هذا الوقت بالذات ارتفع صوت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس التجمع اليمني للإصلاح وسط ضجيج صغار الإصلاح ليخرسهم بما فيهم بعض أبنائه وليحث الشعب أن يختار رئيسه الحالي علي عبدالله صالح، وهو يعلم أنه لو سقط الوضع الحالي فلن يبقى شيء في اليمن كما هو، تماماً كما يريد بوش وزبانيته وكما فعلوا بالعراق وأفغانستان والصومال وكما يفعلون في فلسطين وفي لبنان. وفي الجانب الآخر فاجأ الشيخ محفوظ شماخ الرئيس نفسه مثلما فاجأ حزبه التجمع اليمني للإصلاح وهو رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية بالإعلان عن تشكيل لجنة رجال الأعمال لدعم ترشيح رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح، وخلال ساعات قليلة استطاع أن يجمع من التجار نحو مليار ريال لدعم الحملة الانتخابية. كان الشيخ محفوظ هو مثل أشقائه الثلاثة أبوبكر ومعروف وأحمد ذوي مكانة لدى التجار، وهم ورثوا عن أبيهم الشجاعة في الموقف، والزعامة لمجموع التجار في كل من الحديدة وصنعاء، بل اليمن كلها، ولذا فقد استجاب التجار لدعوته، وفوجئ رئيس الجمهورية أن أبرز أنصاره ليسوا من حزبه ولا من حكومته ولكنهم ممن يحسبون على معارضيه، لقد كان نصراً ربانياً لم تتدخل إرادة غير إرادة الحكمة والإيمان في تكوينه وتأسيسه. ومثلما غير موقف الشيخ عبدالله الموقف على المستوى الشعبي والسياسي؛ كذلك كان موقف الشيخ محفوظ وإخوانه، فقد اجتمعت فيه مجموعة من الصفات التي تفضح دعاوى الكثير من دعاة المشروع التدميري.. أهمها: أنه من أصل جنوبي، وغلمان السياسة كانوا ولايزالون يستخدمون ورقة الجنوب للترويج لمشروع التدمير الذي يتبنونه ضد اليمن. وأنه من أصل حضرمي، والغلمان كانوا ولايزالون يستخدمون حضرموت وجاءوا بمرشحهم منها. وأنه من قيادة الإصلاح، والغلمان يعتدون بموقف الإصلاح ونصرته معهم. وأنه شيخ مشائخ التجار، وغلمان السياسة يرون أن هذه الشريحة سوف تنصرهم لما يرجونه؛ لأن المترفين دوماً هم في مقدمة هلاك الشعوب. وأنه أقدم على الفعل بمبادرة من ذاته بجهده وعقله وماله، وتبعه الآخرون لعلمهم برجاحة عقله وإخلاص نيته لله ثم لوطنه وشعبه، وغلمان السياسة كانوا ولايزالون يحظون بدعم قوى إقليمية وعالمية لا تقع تحت البصر، فيما يظنون ويعتقدون أن الجميع مثلهم. وأنه قام بموقفه وفاجأ الجميع به وكان على رأس من فوجئوا بالموقف الرئيس علي عبدالله صالح، ولم يستطع أحد من الغلمان أن يتهمه بأنه من أعوان الرئيس كما يفعلون دائماً، فهو على النقيض دوماً مع مسار الحكومة والسلطة، ومواقفه تشهد له بذلك، وكتاباته كذلك قبل الانتخابات وبعدها. الرئيس فيما أحسب رأى أن هذه رسالة من الله تعلمه أن اليمن أمانة في عنقه فليحفظها مستعيناً بالله وبالمؤمنين، وأن الله خير حافظاً له وهو أرحم الراحمين، وأن عليه أن ينتظر نصرة الله وحده ونصرة المؤمنين التي لا يدري من أين تأتيه، ليس من حزبه أو قوته أو سلطانه أو صحابته الذين يعتمد عليهم غالباً وإن كان لكل من هؤلاء دوره ولكن لا يرقى إلى مستوى دور هؤلاء المحتسبين مواقفهم لله وحده لا ينتظرون منه الجزاء ولكن يفعلونها ابتغاء وجه الله وحفاظاً على أعراض وكرامات ودماء شعبهم وأهليهم، وأن عليه أن لا يخشى الحشود الداخلية والخارجية التي تثيرها جموع الأعداء من الكفار والمنافقين الذين يستخدمون لذلك باعة الأوطان وعباد العجل، ويقدمون لهم كل العون والتأييد المادي والإعلامي والترويجي، فالأصل هو الثبات، وستنقضي كل هذه الترهات كما انقضت قبلها ترهات وتهاويم وتهويلات أعظم منها ويبقى الحق وسلطانه وحفظ الله لشعب اليمن. لقد أحببت أن ألفت النظر إلى الشيخ الذي غفل عن دوره وحكمته ومواقفه الكثير؛ لأن الشيخ عبدالله قد لقي الكثير من تغطيات الإعلام في الداخل والخارج على عكس الشيخ محفوظ رحمهما الله ورحم كل موتى المسلمين. وأخيراً.. فكم نحن بحاجة إلى مثل الشيخين في مواجهة الغلمان لدرء كل فتنة.