عربياً سنتوقف أمام الروائي الراحل نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة «بين القصرين قصر الشوق السكرية» وسنرى أن هذه الثلاثية توازت مع أجيال عمرية متعايشة ومختلفة في رؤيتها ونمط حياتها فالأب «أحمد عبدالجواد» يتصل بالماضي اتصالاً يوازي بين الصرامة الأبوية العربية، والحياة الأبيقورية الليلية التي تلتحف شواطئ النيل وعواماته المترعة بالزهو والفنون، وهو فيما يكون كذلك يتموضع أيضاً في إطار صدام مؤكد مع واقع متحرك، الأمر الذي نستبينه من خلال ولديه الأول «ياسين» الذي ورث من أبيه بعضاً من ثقافة الماضي العتيد، والثاني «كمال» السابح في طوباويات أحلام جميلة بمستقبل ألفي فاضل قد يأتي وقد يخيب أمله. يعتمد نجيب محفوظ السرد الأفقي الوصفي المركوز في أساس تقنيات الرواية الكلاسيكية الأوروبية فيتساوق مع أحوال الزمان والمكان تساوقاً لا صلة له بالغرائبية والنزعة السحرية، وهو بهذا القدر من المجاورة الزمنية الأفقية، والاستنطاق المكاني اللماح يقدم سيرة وجود ومجتمع، ويفلح في تقديم الزمان والمكان تقديماً يستقرئ الآتي من خلال الماضي، والغائب من خلال الحاضر ممايضع تلك الملحمة الثلاثية في قلب الأدب السردي التاريخي الذي لا يتجاوز حدود جيل يتصل بجيلين، بما يذكرنا بفلم «روكو واخوانه» للمخرج الايطالي المجدد فيسكونتي ولنجيب وفيسكونتي نظائر في الأدب الإنساني، ولكن بطريقة مختلفة جوهرياً سواء كانت أداة الإبداع لغة أدبية أو كاميرا سينمائية. مقطع القول: إن النماذج الروائية والسينمائية التي أومأنا إليها تنطوي على قدر من مخاطبة الحاضر والمستقبل من خلال الماضي، وتلك لطيفة من لطائف الحقيقة، والشاهد أن الزمن يتصل وإن تقطع والحقيقة تتحد وإن تجزأت مما لا يتسع له البيان في هذه الخاطرة.