لقد كنت أسمع دوماً عن الفانتازيا ولكنني عشتها يوم الأحد الماضي حينما كنت عائداً من إلقاء محاضرة في كلية التربية بمأرب . كنت مع عدد من الاساتذة اليمنيينوالعراقيين نسير بأمان الله فنحن ليس بيننا وبين أحد ثأر.. إضافة إلى أن انتشار النقاط الأمنية على طريق مأرب بشكل مكثف يشعر بالأمان. ولم نكن نعلم أن امرأة من مأرب في هذا اليوم قد تقدمت للتوظيف ولم تقبل لأنها سقطت وفق المفاضلة ومعايير الكفاءة ستكون سبباً في جعل عشرة مسلحين ربما من بينهم أبوها يقطعون علينا الطريق وينزلوننا من باص الجامعة بقوة السلاح ورمينا على قارعة الطريق أشبه بحيوانات ضالة يجب التخلص منها والاستيلاء على الباص والذهاب به! لقد أخذتني الحيرة حينهاوأنا أشاهد هذا الموقف الذي لم أشاهده من قبل إلا في أفلام الخيال، هل أتعاطف مع زملائي الذين أنزلوا بقوة السلاح وهم الذين لايمتلكون سوى الطباشير التي يلونون بها سواد الجهل في هذه المحافظة محاولين نشر النور والمعرفة، أم أتعاطف مع أولئك الذين أشهروا الأسلحة النارية في وجوهنا وبدت وجوههم شبه ميتة وأجسامهم نحيلة وعيونهم جاحظة محمرة يتطاير الشرر منها ورؤوسهم معلقة على أجساد هي أشبه بخيال «المآتة» ؟ كنت حيران ومازلت أتذكر صور هؤلاء الذين ماتت أرواحهم وعجزت الحياة عن أن تدب فيها بدا واضحاً أنهم يتحلون ببوادر سادية، فهم على استعداد لأن يموتوا من أجل بقرة ويموتوا من أجل كلمة ويقتلوا من أجل شجرة.. وتشتد الحاجة الوهمية من أجل ترسيم الحدود بين منطقة وأخرى على كل المستويات من أوتاد الخيام إلى ماء البئر. كل ذلك حيرني، خاصة وأن هؤلاء لم تصل إليهم الثورة ولم يصل إليهم الاسلام بعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة عام ولو أن الاسلام كان قد وصل إليهم أو أنهم مسلمون حقاً لعلموا حق العلم أن ممارستهم تلك تجعلهم في خانة أولئك الذين قال الله عز وجل في حقهم :[إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أويصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أوينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم]. إن هؤلاء لم يدخلوا في الانسانية بعد فلا معنى عندهم للمعنى والعقل والحرية، والحياة ذاتها.. إنهم يعيشون داخل ثقافة تمزج بين الحياة والموت في سرير واحد، وفي كأس واحد، يواصلون العيش في حياة كأنها الموت، أو موت كأنه الحياة.. إنهم يعيشون فيما وراء البداية والنهاية.. في القتل الذي يمحو البدايات والنهايات لهذا تبدو حياتهم وكأنها مدرسة عليا لتعلم العنف والقتل. لست أدري أأتعاطف مع هؤلاء، أم مع مؤسسات الدولة في المحافظة التي لاتستطيع مواجهة القبيلة التي هي قلب المجتمع..؟! كل ذلك لايعفينا من التحرر من الجهل الذي كان هدفاً من أهداف الثورة وركيزة من ركائزها، لأن الجهل عندما يعم تنتشر الجريمة والفساد وعنف الأفراد والجماعات. إذاً سأتعاطف مع أولئك الذين لم تصلهم الثورة ولم يصلهم الاسلام وسأتعاطف مع الاساتذة الذين قدموا من العراق الجريح ومن مختلف محافظات اليمن ليقولوا لأهل مأرب: إن السلم والاستقرار هما مصدر عزكم وهما القادران على أن يرويا ظمأكم.. جاءوا ليخلصوا هذه المحافظة من الثأر تلك الجريمة الكبرى التي نصبت نفسها ديناً ليقود القتلة مأرب كلها في رحلة التاريخ المزيف. ثمة قتلة باسم الثأر وثمة قتلة باسم الدين يقيمون الشعائر ليس في جنح الظلام، وإنما في رابعة النهار.. وبعد اتمام فريضة الصلاة، يصرحون في تشامخ بأنهم إنما يفعلون ذلك باسم الله.. فبدلاً من أن ينصرف أبناء مأرب للعمل ينصرفون للقتل وبلا اكتراث عن حرمة الدم المسفوح. لقد ذهب الأساتذة ليفتحوا الطريق، طريق المستقبل، وبعضهم لم يستلموا ريالاً واحداً منذ سنتين، لكن الجهل كان لهم بالمرصاد وكان أقوى منهم إذ استطاع ليس غلق الطريق فحسب، بل وقطعها. وبالرغم من قساوة هؤلاء الذين قطعوا الطريق، كانت هناك جموع من الطلاب تقول لهؤلاء الاساتذة قبل أن تسيروا قدماً نحو العودة، لابد أن نعتصر مافي أذهانكم من نور.. من أن نحملكم وأنتم المنهكون من كثرة ماحملتم وتحملتم، مايضيف على أكتافكم حمولة لن تكون زائدة أبداً، وإن كانت ثقيلة مثل هذا الضياع الذي نعيشه. نحن هنا في حريب.. وفي الجوبة.. وفي مراد.. وفي صرواح.. وفي جهم.. وفي كل موقع.. لن نقوض ثانية أمر المستقبل إلى سفاح أوقاطع طريق أو قاتل وليس في وسع الاحرار التواطؤ مع هذا الشكل الجديد من العبودية التي تراد لهذه المحافظة. ولئن كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» قادراً على الصفح عن المذنبين، فإنه لن يغفر لقطاع الطرق.. حتى لو كانوا يؤدون الصلوات الخمس .. إن الدمعة ليست أشد معنى من الابتسامة وإن الابتسامة التي تصنعونها ستكون هي آخر المراسي التي نضيفها إلى ملاذات ابتسامات الوطن الدائمة وبها سنسترد كل مقوماتنا. أخيراً: يمكن القول إن مشايخ مأرب أمامهم مسئولية دينية وإنسانية ووطنية تحتم عليهم أن يجمعوا على جعل الكلية هجرة بطلابها واساتذتها والعاملين فيها وممتلكاتها وعلى الحكومة أن تضع سياسات متكاملة في هذه المحافظة والمحافظات المشابهة بحيث تربط التعليم والصحة بخلق فرص عمل وتحقيق الضمان الاجتماعي وتحقيق التغيير المنشود في الواقع الاجتماعي. أما الجيش وهو يدشن برنامجه التدريبي للعام2008م فالمطلوب منه أن يقوم بدوره وبكل حزم ضد الخارجين على القانون ومقلقي السكينة العامة فلابد من الحزم وإلا ضاعت هيبة الدولة واستخف بأجهزتها وبقراراتها. يمكن لوزارة الداخلية و وزارة الدفاع أن تتعاونا في وضع كاميرات مراقبة بواسطة مناطيد هوائية لمراقبة الخارجين على القانون من أجل ردعهم. إن ماجرى خارج على الشرع والقانون والاعراف القبلية! وتحية للدكتور خالد طميم رئيس الجامعة والدكتور عبدالله النجار عميد الكلية اللذين بذلا جهداً يشكران عليه لمتابعة القضية وليس أمامهما إلا الاستمرار في المطالبة برد الاعتبار للجامعة فإذا سقطت هذه المؤسسة فإنها ستجعل السفهاء يتجرؤون عليها.