(1) يقف القلم - اليوم - عاجزاً عن وصف ما كان عليه الأعلام الروّاد الأفذاذ - سعيد عوض باوزير وحسين محمد البار ومحمد عبدالقادر بافقيه ومحمد عبدالقادر بامطرف وأحمد عوض باوزير وغيرهم - الذين خاضوا غمار مهنة المصاعب والمتاعب في حضرموت في منتصف خمسينيات القرن الماضي ، ورسّموا قواعد مهنية وأخلاقية نبيلة في تاريخ الصحافة الحضرمية بمدينة المكلا، عندما كانت صحيفتا (الطليعة والرائد) رئتي العمل الصحفي في هذه المدينة العريقة، ولم تكن مثل هذه الأقلام الأعلام وقتئذ على وفاق تام في رؤيتهم لحل قضايا الوطن، ومتابعة مواضيع الساعة، ولكنهم شكلوا تكاملاً معرفياً ووعياً ثقافياً عميقاً يثري الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية، وانطلقوا برسالة الصحافة إلى آفاق بعيدة وحلّقوا بها إلى تخوم الكلمة الصادقة الواضحة المحرّكة لسكون المجتمع، وإذا عدنا إلى أرشيفهم لتلك الفترة فإننا نلمس مثل هذه المعاني والسلوكيات والرؤى واضحة وجلية ففي عدد الطليعة - لصاحبها ورئيس تحريرها الرائد الصحفي أحمد عوض باوزير - أطال الله في عمره - (179) الصادر في (16) رجب 1382ه، الموافق 13 ديسمبر 1962م، كتب الأستاذ الراحل سعيد عوض باوزير موضوعاً بعنوان: ( أزمة الصحافة .. في حضرموت) جاء ملازماً لاحتجاب صحيفة (الرائد)- لصحابها ورئيس تحريرها الشاعر حسين محمد البار - عن الصدور كتب يقول: ((الأسبوع الماضي لم تصدر زميلتنا صحيفة (الرائد) فقد احتجبت عن الظهور مؤقتاً لأسباب فنية واقتصادية لم تستطع التغلب عليها كما جاء في إعلان صاحبها ورئيس تحريرها الذي نشرته مجلة الطليعة في عددها ال(177). وإن توقف جريدة ما عن الصدور لفترة تطول أو تقصر بسبب بعض المتاعب المالية ليس حادثاً عادياً عابراً نمرّ عليه مرّ الكرام لا نلقي له بالاً ولا نعيره أدنى اهتمام وإنما هو حدث خطير عميق الدلالة بعيد المغزى في حياة المجتمع الذي نعيش فيه وخصوصاً في مثل هذه الظروف التي تجتازها بلادنا في الوقت الحاضر. ويزيد من خطورة الأمر أن (الرائد) هي ثاني صحيفتين تصدران الآن في حضرموت وتعبران عن رأي الشعب وتنطقان بلسانه.. إن ( الطليعة) و (الرائد) هما الرئتان اللتان يتنفس بهما الشعب الحضرمي ويثبت بواسطتهما وجوده وحياته وباحتجاب ( الرائد) أصبحت البلاد تتنفس برئة واحدة...)). فحري بنا هنا أن نتوقف كثيراً عند هذا القول لهذا العلم الثقافي والأدبي والصحفي الباذخ، ونتساءل هل مشينا على هذه الخطى النيرة في سلوكنا الصحفي اليوم؟!، بالتأكيد ستكون الإجابة بالنفي ، وهذه أزمة الصحافة اليوم. (2) في الثالث والعشرين من أغسطس الماضي مرّت الذكرى الخامسة لرحيل المؤرخ والصحفي والأديب الكبير الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه.. ومن جميل الأيام أن حفظت لنا الكثير من كتاباته الصحفية التي كان يكتبها في الفترة من 1960حتى 1965م، على صدر صفحات صحيفة الرائد ، وقد جمعت هذه المقالات في كتاب (سندباد على الورق .. صاروخ القرن العشرين)، الذي طبع وصدر في القاهرة في 29يوليو1965م وقد صدّره الراحل الدكتور بافقيه بكلمات تشع ضياء ونوراً وقيماً ونبلاً، وفاء وعرفاناٍ، إثر فقده رفيق رحلته وشهيد الكلمة الشاعر الرقيق حسين محمد البار بقوله: (سرنا معاً على الدرب شوطاً.. كانت هذه الأحرف..آثار خطونا..وعلى جانب الدرب الطويل..سقط شهيداً..وسلاحه في يده.. تحية..للوفاء..للشهامة..للرجولة..للشجاعة..للتضحية.. لكل صفات الرجل الكريم..أهدي هذه الصفحات.. للشاعر الذي فقدناه.. ثمرة جهود مشتركة.. وذكرى زمالة غالية.. ودمعة مكلوم.. إلى.. الغائب الحاضر..إلى..حسين البار). والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ، هل يحمل أرباب الصحافة- اليوم - مثل هذه الشجاعة والاعتراف بالفضل لأهل الفضل؟! والجواب بالتأكيد سيكون كسابقه بالنفي القطعي. (3) تلك كانت إشارتان من أرشيف الصحافة في حضرموت في عصرها الذهبي، لنقف اليوم عند دلالاتها العميقة، ولكي نضع الجيل الصحفي الجديد أمام قوة ووضوح الرؤية لدى الروّاد ، وحتى ينفض هذا الجيل الغبار المتراكم بفعل الإهمال وعدم المبالاة عن أرشفة الصحفي الثري، الذي يعد أكاديمية جادة في مسيرة الحرف المشاكس، والكلمة الصوت والصدى، فهل يفعلون؟!.