حاولت مراراً، أن أحظى بلقاء يجمعني ورائد من روّاد الصحافة في حضرموت، هو الأستاذ المؤسس لصحيفة الطليعة أحمد عوض باوزير التي صدرت في منتصف شهر مايو من العام 1959م، معلنة عن مرحلة جديدة في الصحافة المكتوبة في المكلا - وقد تحققت تلك الأمنية يوم الأحد الماضي لتضعني في مواجهة حقيقية مع التاريخ المجيد للصحافة الحضرمية، اقتربت من حركة الحياة التي كانت الطليعة ورائدها راصدين لها في وجهها السياسي والثقافي والفكري والفني والرياضي، لأجد أن ما تحتضنه المجلدات الثمانية - التي بقيت كذكرى خالدة لتلك المرحلة الثرية - تشي بمدى ما وصلت إليه قدرات وإمكانيات ذلك الرعيل الأول من صحفيي حضرموت، فقد كان الرائد باوزير، ونحن نتجاذب حديث التاريخ وحنين الذكريات، يسترسل بذاكرة متقدة للبوح بما كانت عليه تجربته الصحفية عامة، ورحلته مع الطليعة خاصة، فقد استطاع هذا الرائد العصامي أن يثقّف نفسه بنفسه، وكان يلتهم أمهات الكتب والمجلات والدوريات وكل ما يقع بين يديه من قصاصات يشم منها وفيها رائحة الحبر الطباعي والرحيق الورقي الصحفي، هكذا كان يمتح زاده المعرفي والثقافي والفكري ليصبح رائداً طليعياً في حضرموت يتخذ من صحيفته منبراً حراً لتلاقح الأفكار والرؤى بشفافية مجتمعية كانت مقبلة على مشروعها الحضاري بقوة واستماتة. لقد نجحت تجربة الطليعة في فتح نوافذ ومسامات المجتمع لكل الاتجاهات السياسية والفكرية التي كانت تسود الوطن العربي الكبير، وظلت تتخذ من الحيادية في التناول والتعرض للأحداث اليومية مع غيرها من الصحف التي تعاقبت في الإصدار كالرائد وصاحبها الأستاذ الشاعر والمحامي محمد حسين البار، فكانتا - الطليعة والرائد - كما وصفهما الأستاذ المؤرخ والأديب سعيد عوض باوزير رئتي حضرموت ، فبهما تنفس المواطن مبادئ الاختلاف في الرأي الذي لا يقطع للمحبة وصلاً، فكان المواطن في حضرموت الداخل وفي المهاجر يبحث عن ما تجود به هاتان الصحيفتان ويتابع ما يصدر فيهما من مقالات واستطلاعات وتحقيقات وتغطيات، فيجد مواطن الداخل حياته وهي تنساب أمامه فيؤثر الجيد ويبتعد عن الغث والرديء وفق قناعاته الخاصة، أما مواطن المهاجر فيتلمس حكاية الوطن وهمومه وهواجسه وأمانيه وأحلامه، هكذا كانت رئتا المكلا تشعان على الأرجاء نفساً من العطر الفوّاح بخليط الصدق والعمق والتأصيل والتآخي.