العمل الثقافي صناعة إبداعية راقية، مرتبطة بالوعي الإنساني، ومهارات السلوك، وآداب وقيم المجتمع.. ولطالما كان الجميع هدفاً لهذه الصناعة، فإنها تفقد قيمتها حين تكون عرجاء أو مشلولة، ولا تقوى على قطع عشرة أمتار لبلوغ من يقفون خارج صالات إنتاجها. ذات يوم خيل لي أنني مصاب بمسٍ من الجنون، لأنني كنت أقف مبهوراً أحدث الناس عن كنوز الثقافة اليمنية، فيما هم يقفون متبلدين أمامي دونما تفاعل كونهم مستغربين من أين أتيت بكل هذه الأسرار عن بلادهم! إلاّ أنني أدركت لاحقاً أن ذلك الموقف يترجم حال ماهي عليه اليمن.. بلد يعوم فوق كنوز التراث الثقافي ومواريث الحضارة الموغلة في عمق التاريخ، إلاّ أن الغالبية العظمى من أبنائه متقاعسون عن إخبار مواطنيهم بحقيقة ماهي عليه بلادهم، ليعضوا على أرضها بالنواجذ، ولايبرحوها إلاّ إلى بطنها.. أمواتاً!! خلال الأسابيع الماضية كرم معالي وزير الثقافة نخباً إعلامية، ثم أدبية، وآخرها أمس الخميس سبعة كوادر نسوية، إلاّ أن ما نشر بهذا الشأن لا يستحق الذكر، لأن وسائل الإعلام التي تمثل دور الوسيط بين المؤسسات وساحة الرأي العام لم تكن مدعوة .. والأمر لم يكن سهواً، بل أصبح ظاهرة رافقت عهد الدكتور المفلحي منذ توليه قيادة الوزارة. فعلى الرغم من أن الدكتور المفلحي يمثل شخصية ثقافية، وموسوعية مهيبة، ولا ينقضي عليه أسبوع بغير نشاط وإنجاز، إلاّ أن عيبه أنه طيب إلى حدٍّ بعيد فهذه الصفة في زماننا عيب لأننا لم نتحلّ بكثير من قيم الإخلاص، ومبادلة الإحسان بالإحسان. وكما قلنا في البداية إننا جميعاً نمثل هدفاً للنشاط الثقافي، وهذا يفترض من وزارة الثقافة احتراف فن الترويج الإعلامي لأنشطتها، وابتكار الوسائل التي تكفل إيصال نتاجها ليس فقط إلى كل قرية، بل وإلى كل بيت يمني، خاصة في ضوء التحديات التي يواجهها الوطن، إذ هناك إجماع على كونها تحديات ثقافية لا أكثر!! إلاّ أن واقع الحال من السهل لقيادات وزارة الثقافة إدراكه بمجرد مطالعة الأخبار التي تتولى سكرتارية الوزارة «بيعها» للصحف، بصياغات ركيكة، تفتقر لأي مهارة إعلامية، والمعلومات التي تتضمنها لا تسمن ولا تغني من جوع، خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار أن من يبحثون عن هذا اللون من الأخبار هم النخب المثقفة، وأصحاب الألسن الفصيحة. لا أدري أي إحساس قد ينتاب صناع القرار في وزارة الثقافة حين يتصفحون الملاحق الثقافية ولايجدون من أخبار وزارتهم سوى لقطات منزوية هنا وهناك لا تكاد تشغل أحياناً مساحة ربع صفحة..! إلاّ أنني أجزم أنه إحساس مرير، وشعور بالغبن، فما بالكم عندما يحدث ذلك في بلد مليء بمن اعتلوا المناصب بفضل أقلام الزور التي كتبت لهم مآثر وبطولات أسطورية وهم كقرب خاوية، في الوقت الذي يخفق المجتهدون والمخلصون في إيجاد من يشهد لعطائهم، وثقافتهم، وطموحاتهم، ويبرز تميزهم عن سواهم! أعتقد أن على وزارة الثقافة التفكير ملياً بآليات العمل التقليدية التي رغم تغير القيادات حافظت عليها كما لو كانت طقوساً مقدسة! فالتغيير أصبح ضرورة حتمية، ومهما كان الوزير أو الوكلاء واثقين من جدارتهم ومهاراتهم في العمل، فأن عليهم أن يتذكروا أن الفلّاح المجتهد يقتل اجتهاده الفأس المكسور، وفي بعض مناطق يافع سمعت من يردد: ( ما تفعل الساتو في البيت العطل)! الثقافة في وقتنا الحاضر أمست مطلباً أكثر إلحاحاً من البترول نفسه، لأنها هي وحدها فقط القادرة على الترخيص لأي منشأة نفطية بالعمل أو تركها تحت رحمة القطاع القبلي، والاعتداءات، وسطوة السلاح، ونيران الفتن.. فيا ترى من سيوصل الوعي إلى «عسيلان» أو «مأرب»، ونحن الجالسين في قلب العاصمة لانجد من يخبرنا بموعد أي نشاط، رغم أننا صحفيون ونحترف استراق السمع!!