تمثل استراتيجية إعادة بناء الثقة، وتجاوز سوء الظن وتبادل الاتهامات بين إيران ودول مجلس التعاون، مدخلاً أساساً لتأسيس حوار حول بناء شراكة حقيقية، ولكن التيار المحافظ الذي يعبر عن رؤيته الرئيس أحمدي نجاد جعل المسألة تتجه نحو المواجهة، فخطابه المتطرف واستراتيجيتهم الباحثة عن الهيمنة أسهما في إفشال الحوار وإعاقة سياسات تنمية المصالح المتبادلة التي تبنتها إدارة الرئيس خاتمي. والمتابع يلاحظ حرص دول الخليج على تبني مبادرات بين الحين والآخر تهدف إلى توسيع آفاق التعاون مع إيران وتعمل بجد من أجل بناء توافق حول السياسات الكفيلة بحماية أمن المنطقة، فالظروف الدولية الراهنة والتجارب السابقة للمجلس تدفع دول المجلس نحو إعادة تعمير النظرة الاستراتيجية للمجلس، بحيث يصبح مجلس التعاون وعلاقاته الإقليمية والدولية مؤسسة على التوازن والتوافق وبما يسهم في دعم الاستقرار والسلام. ومن المؤكد أن صانع القرار الخليجي يدرك بوضوح أن المنظومة الأمنية الحالية في ظل الصراع الأمريكي الإيراني باتت تشكل خطراً على دول مجلس التعاون، لذا فإن صانع القرار الخليجي يتبنى سياسة فتح آفاق الحوار القادر على فك شفرات التطرف لدى طهران وواشنطن من خلال تخفيف المخاوف المتبادلة ولكن حتى اللحظة على ما يبدو أن دول المجلس عاجزة عن تعديل مواقف المتصارعين على النفوذ والمصالح. ما يعيق دول مجلس التعاون من الانفتاح على إيران في المرحلة الراهنة هو تعاظم الطموح الإيراني ونزوعه الجاد للسيطرة على المنطقة وفرض مصالح طهران بممارسة الإرهاب الناعم وفرض نفوذها بعناد وتحد وأحياناً باتباع سياسة التعالي والتجاهل للمنظومة العربية ككل. والمتابع يلاحظ أن هناك تيارين في الخليج لمواجهة إيران التيار الأول ويمكن تسميته بالمتفائل وهذا التيار مقتنع أن انفتاح دول مجلس التعاون على إيران ربما يؤدي إلى سحب إيران إلى خانة الاعتدال، وهو من جانب آخر حسب وجهة نظرهم بلاغ ضروري لواشنطن حتى تدرك أن دول الخليج كمنظومة ترى أن استراتيجية الانفتاح على إيران ومساعدتها على قراءة مصالحها تشكل بديلاً معقولاً لمواجهة مواقفها المتشددة. وهذا الانفتاح حسب ما يطرح هذا التيار ضروري لطمأنة النخبة الإيرانية، فالنظام الإيراني الذي يشكل الهاجس الأمني أساس حركته وسياساته، يسعى لامتلاك القوة الرادعة بسبب الخوف الذي يسيطر على النخبة الإيرانية من الاستراتيجية الأمريكية التي تتبنى إسقاط النظام، لذا فإن سعيها لامتلاك القوة الرادعة وتدخلها في الشأن العربي هو في الغالب نتاج عقدة أمنية وخوف على نظام الملالي من السقوط، وفي هذه الحالة فإن ضمان أمن إيران ونظامها الحالي سيشكل المدخل الأساسي لإدماج إيران في المنظومة الإقليمية والعالمية. ويؤكد هذا التيار أن ضمان أمن إيران ونظامها في غاية الأهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون، فأمن المنطقة ككل مهم جداً لدول المجلس لأن ذلك يسهل لها تحقيق تنميتها الداخلية بكافة أبعادها، والبناء الداخلي يشكل البوابة الرئيسة لتعمير القوة بمفهومها الشامل حتى تتمكن دول المجلس من مواجهة المستقبل. ويؤكد هذا التيار أن دول المجلس أصبحت جزءاً فاعلاً لا يتجزأ من المنظومة الرأسمالية، وقوة لا يمكن أن يستهان بها، فالنفط وتراكم الثروات والتنمية التي تم تكوينها في المراحل السابقة كل ذلك جعلها قوة أساسية في المنظومة، وربما تلعب في المستقبل دوراً رئيساً في المنظومة الدولية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية، والنجاحات الداخلية ومستقبل الخليج المزدهر مرهون باستقرار الوضع الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط. ونتيجة لذلك فإن دول المجلس مطالبة بشكل دائم لتبني السياسات التي تركز على الحلول السلمية لمشاكل المنطقة، وهذا يتطلب من صانع القرار في الخليج أن يقاوم ويرفض لأي تسويات تقوم على القوة. أما التيار الثاني ويمكن تسميته بالواقعي الوطني فإنه يتفق مع طرح التيار المتفائل ولكنه يتبنى موقفاً متشدداً من طهران ويطرح فكرة المواجهة معها ووقفها عند حدّها واستخدام القوة الناعمة التي تحمل في مضمونها الضغط وطرح المواجهة، وهذا التيار مقتنع أن خيار التعايش الإقليمي أصبح في حكم المحتم، فالأمن القومي لدول الخليج في ظل المتغيرات الراهنة، يتطلب من صانع القرار أن يتجاوز الماضي وأن يؤسس لعلاقات متوازنة مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، وأن على دول الخليج أن تمارس الضغوط على الأطراف الإقليمية والدولية لاعتماد سياسات هدفها ضمان أمن المنطقة تقوم على المشاركة الجماعية. إلا أن هذا التيار يرى أن خيار القوة بالتحالف مع القوى الدولية قد يصبح ضرورياً لمواجهة التطرف الإيراني، فالسلام والتعايش مع إيران قد يكون بحاجة إلى معركة ، لأن ترك الحبل على الغارب والتعامل مع إيران بعقل النعامة ربما يفقد دول الخليج والمنظومة العربية الكثير من المصالح لصالح النفوذ الغربي والإيراني. وهذا التيار الوطني يتبنى استراتيجية أمنية مؤسسة على سياسات التعايش الإقليمي وسياسات بناء السلام الخادم لمصالح شعوب دول المنطقة ولمصالح الأطراف الدولية ذات الصلة ويعد ذلك مسألة في غاية الأهمية لتحقيق مصالح دول مجلس التعاون، على شرط أن يكون الأمن الإقليمي مناطاً أساسياً بدول المنطقة ولا يمنع ذلك من التدخل الخارجي بما لا يخل بمصالح جميع الأطراف في الإقليم. وهذا التيار يتبنى سياسة البحث عن شركاء دوليين داعمين لهذه الاستراتيجية، بما في ذلك البحث عن شركاء في الداخل الأمريكي لديهم رؤية مرنة تؤسس للمصالح بما يخدم الاستقرار والسلام ولديها قدرة على تفهم المصالح المادية والمعنوية للشعوب، ويمثل التعاون كما يطرح هذا التيار مع التيار الإصلاحي داخل إيران ودعم سياساته المرنة ضرورة استراتيجية لدعم استراتيجية السلام في الخليج والمنطقة عموماً. والتيار الوطني يطالب بوضوح وقوة بضرورة ضم اليمن إلى منظومة دول مجلس التعاون فتأهيل اليمن ومن ثم إدماجه بأسرع ما يمكن لابد أن يكون من ضمن المرتكزات الجوهرية لأي استراتيجية جديدة لبناء السلام وتحقيق التعايش الإقليمي، فأمن اليمن واستقراره كما يرى هذا التيار مرهون بتأهيله ليصبح العضو السابع في مجلس التعاون، لأن ذلك يمثل من أقوى الضمانات لأمن منطقة الخليج ومستقبلها المزدهر بإذن الله.