قلت لصديقي مازن على مائدة العشاء:هل تسمح لي بسؤال لايضيق منه صدرك؟قال بكل تأكيد:فما قيمة الحديث إذا ظل الناس لايقولون شيئاً سوى ترديد عبارات المجاملة أو ينافق بعضهم بعضاً أثناء الحديث؟ قلت: الذي لا أستطيع أن أفهمه يامازن كيف أن الكثيرين من الشباب في هذه المحافظة ينقادون بسهولة لأولئك الذين يروجون الأكاذيب والأراجيف حول الوحدة اليمنية ولايدركون أن بلادنا تواجه أعظم الأخطار..إذ ظل أولئك ينفخون جوقة الانفصال من الفضائيات المعادية،لكي يسمموا أفكار الشباب ويزعزعون ثقتهم بوطنهم بل يحرضونهم على العنف والكراهية والعدوانية ضد كل ماهو يمني..فاليمن عندهم هي العدو،لأنها ملتصقة بعدن قدراً ومصيراً،جغرافياً وتاريخاً وثقافة...الخ وقد كانوا يتمنون لو أن باستطاعتهم فصل عدن عن جغرافيته وتاريخه وذلك لكي لاتبدو سحناتهم الغريبة، تشكل خطوط نشاز في معرض الهوية اليمنية.. إنهم باختصار يريدون أن تتواصل مياه خليج عدن لتلامس مياه خليج البنجاب ولاتتواصل مياهه لتلامس أقدام الفتيات الهابطات من جبال اليمن ..قال مازن بسخرية لاذعة:الله الله ماأجمل هذا البيان لولا أنه يحمل أفكاراً ساذجة!...فلو قدرنا أن هناك خطراً على الوحدة اليمنية فلن يكون إلا قادماً من اليمنيين أنفسهم...أما الذين تتحدث عنهم من البنغال والسنغال والبنجاب أو غيرهم من أمم الأرض فماذا باستطاعتهم فعله ضد الوحدة ،إنهم أضعف من أن يشكلوا خطراً من أي نوع..فهم لايجدون سنداً من قبيلة ولا من طائفة ولا من أي مظهر من هذه المظاهر... الخطر على الوحدة يحمله اليمنيون أنفسهم فوق ظهورهم ،كما يحملون أوزارهم وأخطاءهم وأنا لاأقصد جميع اليمنيين...بل أقصد أولئك الذين يمارسون سلوكيات متخلفة بدائية،.كما لو أن بعضهم انفصل لتوه عن العصر الحجري..هل أنت بحاجة أن أدعوك لمشاهدتهم وهم يدخلون المياه بثيابهم وسراويلهم وقمصانهم فتراهم يمسكون بيد «بالجوال» وباليد الأخرى بعلبة السجائر.. فإذا خرجوا من المياه جلسوا يدخنون بطريقة مُزرية ويتبادلون كلمات سمجة. هل أنت بحاجة أن أدعوك لمشاهدتهم وهم يتعاملون مع المعلبات وأكياس الحلويات والشوكولاته والبطاطس بأسوأ مما نجده عند الأطفال..يبعثرون كل شيء على الرمال وعلى الطرقات دون أن يجدوا صوتاً واحداً منهم ينكر عليهم ما يمارسونه من فوضى، قلت له:لقد أفحمتني ،لكن علينا أن نعلم أننا بحاجة إلى اشياء كثيرة نتعلمها لكي نبدو أمام الآخرين أننا أهل حضارة..ولن يتطلب الأمر منا غير التركيز على تربية الإنسان وإعداده إعداداً صحيحاً...وهذا لن يتأتى إلا إذا تضافرت جهود الأسرة والمدرسة والدولة وتتحمل أجهزة الإعلام المسئولية الأولى في تغيير هذه الصورة الكئيبة القاتمة التي تسيىء لصورة اليمن عند الشعوب الأخرى قبل أي شيء آخر. وأتساءل بهذه المناسبة :لماذا تتحرج الصحف وكل وسائل الإعلام في توجيه أفراد المجتمع وإرشادهم كيف يتعاملون مع الشواطئ والمناطق السياحية؟..هل يرون أن ذلك من العار عليهم فعله؟؟ كان مازن ينصت باهتمام لما أقول ،فأراد أن يعبّر عن امتنانه ولكن بطريقته الخاصة...مظهراً علامة السرور والابتهاج فقال: سعدت كثيراً أن أضيف إلى قائمة أصحابي صديقاً جديداً يعرف كيف يتكلم،وكيف يأكل بشهية وكيف لايبقي شيئاً في الأطباق...يطبق حرفياً أمثلتنا السائرة: «من أكرمك بالفتوت أكرمه بتصفية الصحون».. وجدت نفسي أضحك ضحكاً متواصلاً بحيث لم استطع التوقف إلا بصعوبة...قلت له: كم أنت بارع يامازن في تأدية دور المهرج...!ألا تظن أن هذه أفضل وظيفة تليق بك؟ قال «ببرود: هذا لو كنت بدون وظيفة..أما الآن فماذا أصنع بها...خصوصاً إذا علمت أن وظيفتي هي استقبال المهرجين أو من هم أدنى مستوى من المهرجين!!قلت: استقبال المهرجين!!وهل وجدتهم يشبهونني؟؟ قال: لايذهب ظنك بعيداً. فأنت ضيف عزيز أستقبلك برحابة صدر ولست تشبه أولئك الذين يأتون لإتمام صفقات خاصة ويتحدثون عن مشاريع واستثمارات واسعة،فإذا بنا نكتشف أنهم جاءوا للمتاجرة بالأراضي وتقسيمها إلى عقارات يبيعون بها ويشترون ولا وجود لأي استثمار ،سألته:ماالذي تريده بالضبط يامازن؟وهل يستحق الناس البسطاء مثلي ومثلك أن تكرههم من أجل بضعة أشخاص من المنتفعين أو المتاجرين بالأراضي...أليس أمثال هؤلاء موجودين في كل الدنيا؟..قال: ليسوا بضعة أشخاص بل هم كثر جداً يريدون أن تكون لهم حقوق في كل شيء أكثر مما لنا من حقوق.. لماذا يأتي أمثال هؤلاء بقصد الاستيلاء على حقوق الآخرين؟ ومن أجل تحقيق ذلك يستخدمون كل الأساليب التي ينكرها الدين وينكرها العرف والأخلاق ثم لايجدون قضاءً رادعاً ولاأجهزة أمن أو ضبط توقفهم عند حدهم...بل يجدون من يعاضدهم وينصرهم على الضعفاء قلت: بل هناك أجهزة صارمة ومواقف متشددة ضد الفاسدين في القضاء والأمن وغيرهما قال:إن مواقف بعض هؤلاء الذين ذكرتهم تشبه مواقف بعض الجهات من الرقص الشرقي فالراقصات عندهم مبتذلات، رخيصات،قليلات الحياء قبل أن يرونهن، فإذا ما أتيحت لهم فرصة الإطلاع على مفاتنهن..نسوا كل ماكان في أذهانهم عن الراقصات. قلت: إذن أنت تعترف أن الإنسان قد يضعف أمام إغراء الحياة قال: إن الذي يضعف أمام إغراء مغنية كشفت له عن مفاتن صدرها أو أمام إغراء راقصة كشفت عن ساقيها ،لايستطيع أن يزعم أن بإمكانه أن يصمد أمام إغراء المال الذي ينثره الفاسدون أمام موظفي الدولة في القضاء والأمن.. سؤال أخير يامازن.. أيهما أصعب في الصمود:الاغراء بالمال أم بالفساد؟ قال: اسأل واحد داعية يجيبك بشكل صحيح...أما إذا سألتني عن رأيي فرأيي أن الإنسان المحصن بالفضيلة وبالرجولة الحقة والإيمان الصادق والتربية السليمة لايعبأ بالاغراء من أي نوع كان ، فهو دائماً كالنحل يبحث عن الرحيق في الزهور ولايشبه الذباب الذي تغريه كل جيفة.