يقترب هذه الأيام موسم الامتحانات وتبدأ معه حالة الاستنفار عند الطلاب وأسرهم وترتفع أيدي الأمهات والآباء بالدعاء بالنجاح لأبنائهم الطلاب خاصة طلاب المرحلة الثانوية التي تعتبر بالنسبة لكثير من الطلاب عنق الزجاجة. غير أنه مع هذا الاهتمام المكثف تبرز ظاهرة سيئة جداً لازلنا وسنظل نحصد ثمرتها المرة وآثارها الخبيثة على الطلاب والمجتمع ألا وهي ظاهرة الغش مع أننا مسلمون ندين بالإسلام الذي ينهى عن هذا الفعل المشين بقول النبي صلى الله عليه وسلم « من غشنا ليس منا» إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذه الظاهرة تزداد استفحالاً من عام لآخر دون ان تتخذ أي خطوة يمكن الرجاء معها للحد من هذه الظاهرة، وقد تنوعت أساليب الغش وتطورت إلى أن أصبحت «على عينك ياتاجر» فبعد أن كان «البرشام» أداة الغش الرئيسة فقد أصبح المال الذي يتحكم بالعملية التعليمية ولم يعد الطالب بحاجة إلى الاجتهاد فبإمكانه حصد معدل %99.9 دون الحاجة إلى الجهد لأن الكتاب يدخل معززاً مكرماً إلى قاعة الامتحانات دون اعتراض بل وبأيدي المراقبين وقد يتم دفع مبلغ أعلى لتدخل الإجابة النموذجية مباشرة. لقد وقر في ذهن الطالب الغشاش أن المال أساس النجاح وليس هناك من داع لأن يتعب نفسه بالمذاكرة والدراسة مادام سيحصل على نفس النتيجة التي يحصل عليها الطالب المجتهد ومن يصل إلى المرحلة الأخيرة من تعليمه يكون هذا المفهوم قد تشرب في نفسه وأصبح جزءاً من استراتيجيته في الحياة. فما نتوقع بعد ذلك عندما يصبح هذا الطالب الغشاش مسؤولاً أو قاضياً أو اقتصادياً أو طبيباً ؟ أترك لك عزيزي القارئ الاجابة. وإذا لم يكن الامتحان وزارياً فقد دأب أكثر الطلاب وبعض أولياء أمورهم على تقديم الهدايا للمدرسين طوال العام لتجتمع لدى الطالب محصلة كبيرة تساعده على النجاح . هذا الداء انتقل إلى الطلاب الصغار في الحضانة حيث يبدأ بعض المدرسين والمدرسات بطلب الهدايا من الأطفال بمناسبة عيد الأم وعيدالعمال العالمي وعيد الجلوس والقيام وتجد هذه الطلبات صدى من الأمهات بل وتتنافس في تقديم الهدايا الأغلى حتى لا ينقص طفلها الحبيب عن %100. وهذا البلاء ينتقل معنا من مرحلة إلى مرحلة وأخشى أن يصل إلى مرحلة التعليم الجامعي مع أني أحمد الله عز وجل أنه لا زال بخير. فقد أحسنت الجامعات حين اشترطت امتحان القبول على الطلاب للدخول إلى أقسام الجامعة حيث يظهر الطالب الحقيقي من المزور.. هذه الظاهرة ستستمر حتى تصبح عرفاً يجب العمل به «فالمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً» وبالتالي تتعرض البلد للانهيار بعد انهيار التعليم إذا لم نعمل سوياً على محاصرة هذه الظاهرة. لقد صار الغش والتزوير جزءاً من حياتنا وكم تم اكتشاف شهادات مزورة وطلاب غشاشين ولكن لا تتخذ ضدهم أي عقوبات رادعة خاصة إذا كانوا من علية القوم «انما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .» ان مشكلة الغش والتزوير سوف ترتد على المجتمع والوطن كاملاً إذا أصبح المزورون هم الوزراء والحكام في المحاكم والأطباء في المستشفيات والقادة في الميدان والأساتذة في الجامعات وستختفي معاني الشرف والأمانة ولن يثق أحد بأحد ويتحول الوطن إلى غابة يأكل القوي فيه الضعيف ويحاكم المزيف الأصيل ويقطع السارق يد النزيه ويعاقب الخائن الوفي للوطن ويصبح الشرف والأمانة جريمة يعاقب عليها القانون وللحديث بقية والله المستعان.