لمزيدٍ من بسط مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة يتوقف البروفيسور “ دوميتري كيكان” أمام الجذر الأول لفكرتي الحداثة وما بعد الحداثة مسلطاً الضوء على البدايات الأولى للمفاهيم الفكرية التي تبدأ بالألوهية ثم التنوير فالحداثة وما بعدها، وهو فيما يتوقف أمام هذا التحقيق الإجرائي الرباعي الموصول بالتاريخ والثقافة الأوروبيتين يمهد ضمناً للرأي الإسلامي تجاه هذه التجليات والظواهر والمفاهيم والحقائق، ثم يحسم رأيه في مفهوم ال” مابعد” معتبراً إياه مفهوماً لا يمثل النهاية بل يعبر عن عتبة بداية أخرى، وبهذا المعنى تصبح المابعديات متوالية تفضي إلى فكرة الانتقال بل “ الانفصال/ الاتصال” بين ما كان وما سيكون، وهي فكرة مركزية في الدين على وجه العموم وفي الدين الإسلامي على وجه أخص، فالرؤية الإسلامية لحقائق الكون والوجود موصولة جبراً وعقيدةً بالماوراء وهذا ترميز لفكرة الانتقال من حال إلى حال ومن طور إلى طور آخر ومن حياة لأخرى، وتبعاً لذلك فإن تجليات الظواهر الطبيعية والحياتية المرئية لا تعبر عن الحقيقة الكلية بل عن صورة من صور الحقيقة، فالجنين في بطن أمه يعيش حالات انتقال من طور لآخر، والإنسان في حياته يمر بمراحل عمرية باستتباعات بيولوجية وسيكولوجية، فإذا ما كفّ عن الوجود ميتاً فإنه ينتقل إلى حياة برزخية تؤذن بحياة أخرى أشمل وأكبر، وبهذا المعنى فإن المابعديات ليست إلا عتبات لتحولات متتالية لا متناهية.