تحدث المستعرب الدكتور دوميتري كيكان عن التباس مفهومين عند كثير من الناس .. المفهوم الأول يتعلق بأوروبا (القارة القديمة الجديدة) التي لم تعد كياناً متطابقاً , وحالة كلية بالرغم من مشروع الوحدة الأوروبية, وحالات التكامل اقتصادياً واجتماعياً، فأوروبا المعاصرة تختزل في دواخلها سلسلة من الإشكاليات والمفارقات والحيرة الوجودية, وخاصة من طرف المستجدين على المنظومة الأوروبية الغربية من سكان الشرق الأوروبي الذين يبدون مخطوفين من عواملهم اليومية البسيطة ابتداءً من رغيف الخبز الذي ألفوه, وحتى الأحلام الصغيرة الموصولة الآن بآلة العولمة العاتية التي تقودها كبريات البيوتات والشركات المالية والاستثمارية ذات المنشأ الغربي بالمعنى السياسي للكلمة . هنا لابد من التفريق بين مفهوم الغرب وأوروبا, فالغرب مفهوم سياسي أيديولوجي عميق الغور في مراحل الاستعمار المباشر للشرق العربي الإسلامي, وتالياً النفوذ الدولي للقوتين والمنظومتين الكونيتين أثناء الحرب الباردة والى يومنا هذا, حيث تتغوّل الولاياتالمتحدة وتنبري كقوة وحيدة في الكون. أوروبا بالمعاني التاريخية والحضارية ليست كذلك, لأنها بالإضافة لكونها القلب الفولكلوري للغرب التاريخي والسياسي, كانت ومازالت مشروع تناقضات داخلية حادة تتوجت بحروب عالمية, وهي إلى ذلك في قلب معادلة التوازنات العالمية السياسية والاقتصادية, بالإضافة لكونها مشروعاً للطوبى الجديدة حيث تتعايش الأعراق، وتتسع قوانين المواطنة والعمل لمختلف الاثنيات والفعاليات الإنسانية, وتنفتح الحرية على قدر كبير من التداعيات الفوضوية . من هذا المنطلق لابد من تفريق مبدئي بين المصطلحات ( الغرب / أوروبا) وبالمقابل لابد من استدعاء الحقيقة الماثلة سواء في أوروبا أو العالم الإسلامي, باعتبار أن أوروبا ليست كتلة واحدة موحدة, على الأقل في الشعور والمصالح والتداعيات المنظورة وغير المنظورة. والحال, فإن الإسلام ليس حجرة صلدة تعوم في بحر من الغموض والخفاء !. هكذا شخص دوميتري كيكان ما أسماه بالخطأ المتبادل في النظرة بين الغرب الأوروبي والعرب .. بين المسلمين والغرب بعامة .. ولهذا السبب يعتقد المحاضر عميق الجذر في تلمسه للحالة العربية, أن علينا مباشرة حواراً مسؤولاً.. وتنمية القابليات المتاحة, وعدم الركون على إشكال التعاون الاقتصادي النفعي على أهميته, بل إدارة علاقات بين المؤسسات الدينية والثقافية, ومكاشفة الحقائق، ابتداءً، ومن الجذور , بدلاً عن التوهان في المُسبقات الذهنية الغامضة والجائرة . نعتقد بدورنا أن مسؤولية العرب في هذا الباب مركزية للغاية لأنهم الأقرب إلى الضفة الأخرى لحوض البحر الأبيض المتوسط, ليس بالمعنى الجغرافي فقط، بل أيضا بالمعاني الثقافية والحضارية .. صداماً ووئاماً .. حروباً وتعايشاً, تداخلاً اثنياً ودينياً وثقافياً, وأيضاً تبادلاً للنفي الموصول بالقوة كما فعلت أوروبا الاستعمارية , بالنفي المعنوي كما فعلنا ونفعل .