يقول المستشرق «دوميتري كيكان» متحدثاً عن الحلول المركزية التي تتغلّف بالأديان أو الهيمنة الجيوسياسية .. يقول: “ إن الإغفال والتجاهل المتبادل للفضاء الثقافي والفكري والايماني الحضاري، والانفراد المُتكبر بالتفوق المُطلق على الغير، المُتجسّد في مصطلحات نرجسية مثل “المركزية الاوروبية”، أو “الاسلام هو الحل”، والتعاويذ النفاقية باسم الشعارات الخالية عن المضمون، أمر لن يساعد في التوصل إلى التعايش والبناء الحضاري المرجو. وبودنا هنا الإشارة السريعة إلى أمرين آخرين لا يقلان أهمية في سياق هذا البحث، أولهما العلاقة بين الهوية القومية والوطنية من جهة، وبين الثقافة كتعبيرعن هذه الماهية من جهة أخرى. فالعنصران في علاقة جدلية حيث إن استمرارية بل وديمومة الذات الفكرية والروحية مشروطة بدوام مكونات القوم، وبصلابة الشعور بالانتماء، وهنالك علاقة ترادفية بين مورفولوجيا الفرد والجماعة من حيث مركباتهم الروحية والإبداعية والدينية والثقافية والإثنية، وبين الذات الانتمائية القومية والوطنية. يسري هذا الناموس حتي في حال اجتمعت كل هذه العوامل ضمن أشكال تعددية تشاركية، مثل هياكل العولمة والتوحيد، كما يحدث مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات التنظيمية الاتحادية أو الفديرالية. ومن المعروف على سبيل المثال أن القرون المُتعاقبة الماضية قد شهدت العديد من أشكال ممارسة العولمة ومنها مثالاً الامبراطوريات، ثم استعمارالجيوسياسي والفكري،وفي النهاية عادت أصوات الهوية والضمائر، كما سمّاها الفيلسوف “هيردر” لتتحرر وتنفجّر.لتكتشف من جديد مجراها الطبيعي. الشيء نفسه قد شهدته أوروبا الشرقية والوسطى بعد خمسين عاماً من “العولمة الشمولية”، وحرمان الحرية الإبداعية المتمثّل في الواقعية الاشتراكية، وتهميش الدين وعبادة “الرفيق الزعيم” حتى أن “اوروبا الموحدة” كمصطلح وكمفهوم لا تزال بعيدة عن التعاطف والاجتذاب المنشود حيث أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 12 % فقط من المواطنين الأوروبيين يقرون بأنهم “أوروبيون” قبل أن يكونوا ألماناً أو فرنسيين أو تشيك ..الخ. أما الأمر الثاني فيتعلق بقضية الترتيب القيمي والتفاضل والأسبقية الثقافية والنوعية للغرب الإبداعي مقارنة بالشرق الاسلامي “المتأخر”، فالموضوعية و النزاهة تفرض الاعتراف أو على الأقل التذكير بأن نهضة الغرب في القرون الوسطى قد نجت من التخلف وشهدت ديناميكيتها اللاحقة بفضل العنفوان الحضاري العربي والاسلامي الذي حمل إلى اوروبا، ليس فقط آثار الحضارة والثقافة الإغريقية الهلينيستية، بل وبشكل خاص مساهمات واكتشافات العلوم النظرية والتطبيقية الإسلامية من خلال الاندس والبحر المتوسط . إذا كان عرب و مسلمو اليوم “أُصوليون”، فماذا عن العرب المسلمين الفاتحين للطريق أمام الحضارة الغربية آنذاك؟. انتهى كلام دوميتري كيكان المترجم من قبلي بحرفه من النص الروماني، وغداً نستكمل الهوامش للأهمية. [email protected]