يفضي بنا هذا العنوان إلى جملة من الأسئلة المفاهيمية والاستقراءات الميدانية التاريخية ذات الصلة بثنائية الحداثة والقيم بوصفهما وجهين لعملة إشكالية كانت ومازالت تعيد إنتاج أسئلتها المعقدة . والشاهد أن مفهوم الحداثة اقترن بمرئيات التنظير الأوروبي التوّاق لمجتمع الفي فاضل، فقد شهدت الحركة الفكرية الأوروبية على زمن المنطق الرياضي الجبري أسئلة متتالية، واجتهادات متعددة، وكانت حالة التطلُّع للمستقبل مقرونة بنماذج ذهنية، ومحاولات تطبيقية شملت مختلف ظواهر الحياة الفكرية والفنية، وبدأت مقولات «الما بعد» تترسّخ تباعاً. الحداثة تعني التجاوز والتخطّي للمألوف والمعروف، كما تعني إيقاعاً صاعداً في نمائه، ومراجعةً أساسيةً لثوابت الماضي الثقافي، وقد اعتبر عالم الاجتماع الأمريكي “ديفيد تفلر” الحداثة قرينة الصدمة المستقبيلة، وسار على دربه الكثيرون، ممن لم يتوقّفوا عند تخوم القيم المادية، بل أيضاً القيم الروحية التي أصبحت تتعرض لهزات ترافقت مع خواتم القرن العشرين واستهلال ألفية جديدة. ومما لا جدال فيه أن سلسلة الانقلابات التقنية المعلوماتية، وصولاً إلى رقْمنة المعلومات، وتنامي أشكال الوسائط المتعددة، وانكسار الحجب، أفْضت في جملتها إلا ما أسماه البروفيسور الروماني «دوميتري كيكان»: إنسان ما بعد الإنسان، حيث أصدر كتاباً بنفس العنوان. في هذا الكتاب الذي صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، ناقش المؤلف جُملة من المسائل المتعلقة بمعنى الهوية والثقافة الخاصة في ظل العولمة بشكليها الموضوعي والإرادوي، وقد كانت الحالة الأوروبية كنموذج أقصى للعولمة مصدر مقولاته، وقد توصّل الباحث إلى قناعات مفادها أن مظاهر الوحدة الأوروبية المقرونة بالاتحاد الأوروبي، والمعززة بآثار العولمة المعلوماتية، لم تُلغ خصوصيات الدول الأوروبية، ولم تتمكن من تجاوز موروثات الحربين العالميتين وامتداداتهما في الحرب الباردة، والتصادمات غير المرئية بين الأنساق الثقافية والإثنية الأوروبية. في أُفق آخر نتوقّف يوم غدٍ مع ذات المؤلف في مقال له بمجلة «الرافد» حيث نعيد تدوير جُملة القضايا التي تبين اهمية النظر إلى هذه الظاهرة في أُفق يتّصل بتحديات العصر. [email protected]