يجدر بنا مواصلة الحديث عن الوحدة في شهر الوحدة (مايو).. لأن الوحدة اليمنية لم تكن هدفاً وطنياً لحركة الأحرار، والثورة اليمنية فحسب، لكنها هدف استراتيجي، وطني، قومي، إنساني.. ولا بد أن يعلم جيل اليوم أن الوحدة قدر ومصير، ومستقبل اليمن القوي المزدهر، وعليهم ألا يقعوا فريسة التضليل والتآمر على الوحدة.. فمهما كانت السلبيات، وأوجه القصور، فإنها تظل هيّنة، تافهة أمام المنجز العظيم، إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.. وعليهم أن يتحملوا ويصبروا، ويفوّتوا الفرص على المشاريع التشطيرية الانفصالية، ويعلموا أن مستقبلهم هو في دولة الوحدة، هذا المشروع الوطني القومي الإنساني الذي بقي ضالة وحلماً أجدادهم وآبائهم منذ انهيار الدولة اليمنية القديمة. ليعلم جيل الثورة، وجيل الوحدة أن إعادة الوحدة اليمنية منذ انهيارها في نهاية الدولة الحميرية سنة 25 ميلادية، ودخول الأحباش اليمن ظلت حلم أجدادهم وآبائهم الذين استمروا يبحثون عمن يعيد مجدهم، مجد الدولة اليمنية الموحدة الديمقراطية المزدهرة، والتحرر من الأحباش، ومخلفاتهم من (الأبناء) الذين بقوا يحكمون اليمن حتى مجيء الإسلام، دين الواحد الأحد، والكتاب الأوحد، والرسول الواحد صلى الله عليه وسلم، دين التوحيد والوحدة الذي حمله إلى اليمانيين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه.. ومعاذ بن جبل - رضي الله عنه.. رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقد استجاب اليمانيون للدعوة سلماً وطواعية، ليس خوفاً وجبناً، لكن لأنهم وجدوا فيها التوحيد للخالق، والوحدة للأمة، وهما فردوسهم المفقود.. فما أن استشفوا من الدعوة الإسلامية «التوحيد والوحدة» حتى سارعوا إلى الإسلام، لأن في مضامينه ومحتواه ضالتهم التي فقدوها، ومجدهم الغابر، وقوتهم التي كانت، وازدهارهم الذي ذهب، وحريتهم التي سلبت.. وعليه فقد انضوى اليمانيون في الدولة الجديدة، دولة التوحيد والوحدة، الدولة العربية الإسلامية، وتقاطرت الوفود اليمانية على مدينة رسول الله عاصمة الدولة الإسلامية لإعلان إسلامهم، وولائهم لدولة الإسلام، بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعاظمت واتسعت دولة الإسلام بالفتوحات، التي كان لليمانيين وجود كبير فيها قادة عظاماً، وجنداً أشاوس، يرسمون خارطة وملامح الدولة العربية الإسلامية الجديدة.. سواء في أثناء الخلافة الراشدة، أو في أثناء الدولتين الأموية والعباسية اللتين امتد نفوذهما إلى حدود الهند والسند وحدود فرنسا.. وانكمشت الدولتان العظميان آنذاك (دولة الفرس، والروم).. وقد ازدهرت ونهضت الدولة العربية الإسلامية سياسياً، واقتصادياً، وعلماً، ومجتمعاً، وفنوناً، وعمارة و.. و..إلخ... وقد كان لليمانيين الدور الكبير والأعظم في ترسيخ الدولة العربية الإسلامية من الصين شرقاً، حتى جنوبفرنسا غرباً.. دولة موحدة، واحدة، ناهضة، قوية مزدهرة.. حتى بدأت بالانهيار تحت ضعف الحكام، واندساس الغرباء، ونهوض النزعات الأسرية والعشائرية، والقبلية، والمذهبية.. فتحولت إلى نتفٍ ومزقٍ يأتيها الأعداء من كل جانب، ليفقد اليمانيون الوحدة والقوة والازدهار العربي الإسلامي، وتضيع من أيديهم الأقطار والأمصار، وتطمع في بلاد العرب والمسلمين قوى الغرب الطامعة، وتصير بلاد العرب والمسلمين ضعيفة مهلهلة، ومنها اليمن التي تحولت إلى دويلات متصارعة متطاحنة، ليفقد اليمانيون من جديد فردوسهم، ويعودون للبحث عنه من جديد.