الضرر الكبير الذي يلحقه الفساد بحياتنا جعل موضوع مكافحته مثار جدل للجميع، غير أن قسماً كبيراً من الناس تمالكهم الضجر من انتظار سماع دوي سقوط بعض المفسدين على أيدي الهيئة الوطنية. خلال الفترة الماضية من عمر هيئة مكافحة الفساد تم استدعاء العديد من المسئولين للمساءلة بشأن قضايا فساد مختلفة إلا أن الهيئة لم تعلن رسمياً عن أي شيء من الإجراءات التي اتخذتها بعد إتمام المساءلة، الأمر الذي بدا لعامة الناس كما لو أن شيئاً لم يكن ..! التقرير «اليتيم» الذي صدر عن الهيئة تضمن عدداً من قضايا الفساد المقدرة مبالغها بأكثر من «21» مليار ريال.. ومع أنه حدد الجهات المسئولة، إلا أنه أغفل كشف هوية المسئولين المباشرين المتورطين بتلك القضايا، منعاً لتعميم الشبهة على كل العاملين في الجهة المستهدفة.. ونحن نعتقد أن التشهير بالفاسدين أمر مطلوب في خلق رادع إضافي للفاسدين يتخوفون منه، وهو «الفضيحة» الأخلاقية، إذ إنه إذا شاع العلم بأن من سيتم ضبطه ستتحدث الفضائيات والصحف باسمه، فإن الجميع سيفكرون ألف مرة قبل المغامرة بأي عمل قد ينتهي بهم إلى الفضيحة ! وبعيداً عن إجراءات الهيئة التي مازالت في طور استكمال ظروف الاستقرار الوظيفي، فإننا نستغرب ان يعول صناع القرار على الهيئة الوطنية وحدها في الحرب على الفساد.. فإذا كانت الهيئة ستتولى مهمة المحاسبة على أساس جرائم الفساد المرتكبة فيما مضى من الزمن، فمن سيتولى إذن مهمة الحد من الفساد مستقبلاً !؟ ومن سيتولى مهمة إشاعة ثقافة مقاومة الفساد بين أوساط المجتمع !؟ وياترى هل سألت الهيئة نفسها فيما إذا كانت الملصقات والشعارات التي وزعتها تحرك أحاسيس المواطنين أم لا !؟ نحن مثلما راعينا أن تتخذ الحرب ضد الفساد طابعاً مؤسسياً عبر هيئة وطنية مستقلة، ينبغي أيضاً مراعاة تنظيم انشطتنا طبقاً لبرامج مؤسسية، وقبل أن نطلب من المواطن التعاون في مكافحة الفساد، علينا أن نعلمه كيف يتعاون، وماهي الطرق القانونية التي يتوجب عليه اتباعها عند رغبته في الإبلاغ عن حالة فساد!! كما علينا أن نعرفه كيف ستكفل له الهيئة الحماية، وماذا عليه أن يفعل فيما إذا تعرض لضرر أو مضايقات جراء تعاونه في كشف جرائم الفساد.. ! ومن جهة أخرى إن على الهيئة الوطنية أن لا تكتفي بالخط الذي هي سائرة عليه اليوم، بل إيلاء جهد كبير للعملية التوعوية التي تغرس ثقافة مناهضة الفساد، ومستنكرة لكل أشكاله ومظاهره.. فإذا كان جيلنا مشبعاً بثقافة تقديم «الرشاوي» لكل موظف تمر معاملته به، وحتى لفرّاش عيادة الطبيب لضمان الدخول أولاً، فإن المسئولية الوطنية تحتم غرس ثقافة جديدة لدى جيل الصغار والشباب ممن هم اليوم في سن الدراسة.. وبالتالي فإن ذلك لايتحقق دون مبادرة الهيئة لبناء شراكة مع وزارات التربية، والتعليم العالي، والإعلام، والثقافة.. ونقترح تشكيل مجلس وطني، أو لجنة مشتركة تحت مسمى «المجلس الثقافي لمناهضة الفساد» - مثلاً - تناط به مسئولية نشر الوعي في المدارس والجامعات والحارات ومختلف الاماكن العامة بالممارسات الفاسدة اتبداءً من اعتبار كسر أو تخريب ماسة الدراسة شكلاً من أشكال الفساد والعبث بالمال العام، وصولاً إلى جرائم الفساد الكبيرة كالاختلاسات والمحسوبية وغيرها. إننا بمثل هذا العمل سنكون حددنا الممارسات السيئة، وغرسنا مشاعر رفض لها، علاوة على أننا سنكون قد عمقنا الولاء الوطني من خلال القدسية التي أضفيناها على المال والممتلكات العامة.. والمسألة غير معقدة فمثلما أوجدنا لجان الحفاظ على البيئة في المدارس، فلتكن إلى جوارها لجان ثقافية لمناهضة الفساد.