يتوقف مؤلف كتاب “ نقد الليبرالية “ الدكتور “ الطيب بوعزة” أمام نشأة المصطلح، ابتداءً من الأصل اللغوي الإغريقي للمصطلح؛ حيث عنت كلمة «ليبرالس » وصفاً للإنسان الكريم، النبيل، الحر. وفي القرن الثامن عشر استمرت ذات الصفة للشخص المتحرر الذي سمي« liberal، لكن نهاية القرن التاسع عشر حوّل المفهوم إلى اصطلاح ومذهب يتجاوز الأصل التاريخي للصفة، وقد أسهم في بلورة مقدمات تلك الفكرة كامل الأسماء الدالة في تاريخ الفلسفة والاقتصاد والفكر أمثال: جون لوك، وديفيد هيوم، وجان جاك روسو، وليسنغ وكانت، وآدم سميث . ويمكننا من خلال هذه المنظومة الواسعة من الرؤى والتباينات تلمس درب الطريق الشائك ومناقشة مفهوم الحرية الليبرالية التي يُراد لها أن تكون بديلاً لأي مفهوم آخر للحرية، وسنرى تباعاً أن تلك الحرية الليبرالية المزعومة ارتكزت على ثلاث دوائر كبرى للتنظير والممارسة . الدائرة الأولى تتمثل في الفكر ومحتواه حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير. والدائرة الثانية محتواها الاقتصاد والملكية الشخصية وحرية الاستثمار والسوق . الدائرة الثالثة والأخيرة مدارها السياسة ومحتواها حريات التجمع وتأسيس الأحزاب والانتخابات . وإذا ما أخضعنا هذه الدوائر الثلاثة للتمحيص، واستعدنا تواريخ المتاهات والمظالم النابعة من أساس الليبرالية التاريخية للرأسمالية سنكتشف أن فكرة تحرير الأقنان من عبودية الإقطاعيين لم يكن مقاصدها التحرير بذاته، بل التحرير بغرض الاستغلال في بورصة العمل الماركانتيلي الصناعي للبرجوازية الناشئة، وهكذا تم استبدال العبودية الإقطاعية بعبودية من نوع جديد ما يكشف تهافت فكرة تحرير الأقنان من الإقطاعيين. وفي أُفق آخر وكتمديد للتراجيديا الكبرى الخارجة من رحم البرلمانات الليبرالية الأوروبية سنرى أن “ إبادة الهنود الحمر لم يكن فعلاً إقطاعياً، بل كان صادراً عن الليبرالية الرأسمالية، وكان المصدر التشريعي للإبادة صادراً عن البرلمانات الرافعة لشعارات الحرية.. الإخاء، والمساواة !! كما يقول المؤلف.