إذا كانت الرأسمالية الوحشية الألفية المستديمة حولت ممازجة المثال بنموذجها الليبرالي، فإن الماركسية بدورها فعلت ذلك في أفق آخر وهي تتعسف علم التشكيلات الاجتماعية التاريخية، والرؤى الفلسفية الجدلية لمُطابقة النموذج بالمثال. ذلك ما نقرأه تباعاً في كتاب “نقد الليبرالية” لمؤلفه الدكتور”الطيب بوعزة” حيث نصل معه إلى قناعة بأن الليبرالية نسق مجتمعي يقتضي ضمناً وجبراً ضرورة التجاوز باعتبار أن كل نمط للوجود ينفتح سياقاً على أنماط قادمة ومتجددة، فيصبح التخطّي للجاهز المألوف ضرباً من الحرية، مما يجعلنا نتفق مع صاحب المقاربة لنقول معه إن مشكلة الليبرالية تتلخص في “تحرير الإنسان من الليبريالية”!!. وحول دلالة المفهوم يتوقف الدكتور الطيب بوعزة أمام فوكوياما الرائي لنهاية التاريخ عطفاً على النموذج الأمريكي، وليس غريباً أن يتصادف هذا الرأي مع خواتم المرحلة السوفيتية الاستالينية، وبداية “الفرصة السانحة” للنموذج الرأسمالي الأمريكي المُسيّج بقدر كبير من استيهامات الأيديولوجيا والنيتشوية السلوكية غير الحميدة. لقد كشفت الليبرالية التاريخية الرأسمالية عن قناعها المزيف يوم أن قرنت التطور “بتفتيت أنساق القيم وإفراغ الحياة من المعنى، وتدمير المقومات الأخلاقية للفعل الإنساني”. وهنا يمكن ملاحظة التفارق المبدئي بين الدلالة المعجمية لكلمة “الليبرالية” وشروط تبلورها في الواقع، فالذين يقدمون الليبرالية بوصفها “مذهب الحرية” يقعون في زئبقية المفهوم المفتوح على ضروب من المخاتلة والالتباسات متعددة الأوجه. والشاهد أن المصطلحات السياسية يتم إكساؤها دوال لفظية مفارقة لجوهرها برغم كونها مصطلحات مُحايثة للواقع والتاريخ، وكذا ما تم تعميمه بخصوص الليبرالية التي يتم تقديمها كما لو أنها وصفة نهائية مغلقة ومستغلقة.