في مقاربته الشيّقة المفعمة بقدر واضح من الشجاعة الأدبية يتوقف الدكتور الطيب بوعزة أمام الليبرالية، مدشناً رؤيته بعنوان مباشر ودال “نقد الليبرالية” “كيما يقول للقارئ مُسبقاً إنني بصدد تهشيم الصنم، وزحزحة الثوابت المفاهيمية التي مضت في ظفرها المزيف بقوة دفع الأيديولوجيا التاريخية الرأسمالية التي حوّلت الليبرالية من “توق إلى المثال” إلى مواز للحرية، ثم ازدادت عنفواناً وتطيراً حالما انهار النموذج الاشتراكي السوفيتي فانبرى “فوكوياما” الهيغلي ليقول لنا إنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وإن النموذج الأمريكي الذي ازداد عتواً وتعملقاً بعد الانهيار السوفيتي هو “المثال” الإنساني العالمي الذي مسح ما سبقه من تواريخ!. يتساءل المؤلف: هل الليبرالية نموذج واحد ووحيد كما يُشاع؟. ورداً على هذا السؤال المركزي يعتمد المؤلف منهجاً ثنائياً في المقاربة؛ أوله النقد المثالي الذي يكشف تهافت المزاعم القائلة: إن الليبرالية تُرجمان للحرية بمعناها الواسع. والثانية مقاربة تاريخية سويولوجية تبحث في الليبرالية بوصفها مقولة وممارسة مُجيرة على التاريخ الواقعي. ولا ينسى المؤلف الإشارة إلى أن نقد الليبرالية ليس نقداً للحرية، بل تمييزاً للحرية عنها، باعتبار أن الحرية تستوجب المسؤولية الأخلاقية، وهو أمر ينتفي في سياق الممارسة التاريخية لليبرالية الواقعية المفارقة للنموذج المفاهميي المعمّم بقوة الأيديولوجيا، تلك الممارسة التي ترينا بوضوح أن الحرية مثال والليبرالية واقع مفارق جوهرياً للمثال وإن تأسّت ببعض من مرئياته وأخلاقياته. وفي هذا الأُفق يستدعي المؤلف نظرة الماديين التجريبيين الذين أسقطوا الفلسفة من علياء المثال مُبتذلين إياها، وناشرين ظلالها في متوالية تكرار مقولات النهايات التاريخية، والمابعديات الحداثية، والتي كانت ترشّد دوماً للنموذج الواحد الفريد. فمقولات نهايات التاريخ ليست قرينة فوكوياما المُحدث، بل كانت ومازالت قرينة الأيديولوجيا الآخذة بالنموذج الواحد والأوحد.