- د. عمر عبد العزيز .. ليس المفكر الأمريكي " فوكوياما " أول من قال بنهاية التاريخ، فقد دأب المنظرون والباحثون عن المجتمعات الألفية الفاضلة القول بأن التاريخ القديم انتهى، وأن التاريخ الحقيقي للبشرية يبدأ مع تنظيراتهم وتوقعاتهم، غير أن فوكوياما اختلف عن سابقيه لأنه لم يبشر بألفية فاضلة يتساوى فيها الناس، بل بعهد جديد يكون فيه النظام الأمريكي مقياساً للمستقبل، فمن التحق بركبه نال مقعداً في قطارالمستقبل، ومن رفض ذلك تسحقه عجلات القاطرة الرأسمالية الأمريكية اليمينية المتوحشة . الذين حلموا بمجتعات مُغايرة للماضي المترع بالويلات والرزايا كانوا يتمنّون عهداً جديداً للبشرية يخلو من الظلم والقهر وسيطرة الطغاة، يستوي في ذلك أنصار المثال والميتافيزيقا، أو الماديين أمثال ماركس وانجلز، فالفارق بين الحالمين الطوباويين والحالمين الماديين أن الاخيرين استبعدوا الدين إجرائياً واعتمدوا قوانين المادة والطبيعة الموضوعية، وافترضوا بأن المجتمع القادم سيكون بديلاً للرأسمالية التاريخية لأن سقوطها أمر مُحتّم !. فوكوياما غادر مرابع الماديين والمثاليين معاً، وإن كان تأسّى قليلاً بمثالية هيجل، غير أنه اعتبر المجتمع الرأسمالي المُفصّل على المقاسات الأمريكية .. اعتبر ذلك المجتمع فرضاً مفروضاً، ومستقبلاً موضوعياً لا مفر منه، لكنه تراجع بعد قليل، واحتار في إخفاقات نموذجه القادم، تماماً كما احتار الماركسيون القدامى أمام اخفاقات نموذجهم منذ الاستالينية المبكرة. فوكوياما وقع في ذات المصيدة، غير أنه كان أكثر حصافة ومرونة من مجايله " هنتجتون " المُصر على الحروب الدينية والاثنية القادمة، والقائل بأن التنين الصيني سيكون فزاعة المستقبل، وقام بتحريض الإدارة الأمريكية والأيديولوجيا التوراتية الانجيلكانية بأن يباشروا استباقاً استراتيجياً ضد التنين قبل أن يعصف بهم وبالحضارة !! . هنتجتون الذي يركز على التنين الصيني يعتبرالعرب العتبة الأولى في صراع المستقبل ويرى بضرورة ضرب الأيديولوجيا الدينية" العرب سلامية " تمهيداً للذهاب بعيداً إلى أقصى الشرق !! [email protected]