تجاوز الألمانيان ماركس وانجلز الديالكتيك المادي الهيغلي، واعتبرا ان شرور الأرض قادمة من البشر، وقاما بفصل إجرائي بين الروح والمادة استتباعاً لتحرير المبحث الفلسفي من الميتافيزيقا " العلوم الماورائية " حيث انهما اعتبرا الغوص في الميتافيزيقا ضرباً من التلفيق لأن حقائق الأرض يمكن النظر إليها بعقلية برهانية مادية مُجادلة، وبالفعل فإن المتتبع للكلاسيكيات الماركسية سيكتشف تلك الروح الجدالية التي لم تتوقف لحظة عن مقارعة آراء الآخرين، وعن متابعة تكريس المفاهيم المادية الديالكتيكية بروحية مغايرة لكبار الفلاسفة الألمان وعلى رأسهم وفي مقدمتهم هيغل وفورباخ . انجلز قدم رؤيتين أساسيتين لمفهوم العنف، وكانت الرؤيتان تصبان في مجرى التبرير، سواء عندما يكون العنف موصولاً بظواهر الطبيعة كالافتراس في الغابة، أو يكون موصولاً بالمجتمعات البشرية كالحروب الأهلية والبينية بين البلدان والملل والطوائف، مُعتبراً أن ذلك العنف يحمل جوهراً طبقياً، فالعنف ليس إلا تعبيراً عن مُغالبة طبقة اجتماعية لأُخرى، وأن المصلحة المادية المباشرة هي المحرك الجوهري لظاهرة العنف في التاريخ . أول مقاربة لإنجلز في هذا الباب سطره في كتابه الهام " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " وفيه استند على المباحث الانتروبولوجية للعلماء " باهوفن / مورجان / ماك لينين "، ومن المعروف أن هؤلاء العلماء استندوا في أبحاثهم على دراسة بعض قبائل الهنود الحمر متوقفين مديداً أمام العلاقات العائلية والملكية " بكسر الميم"، ومراتبية المجتمع، واعتبر هؤلاء ان تلك القبائل تقدم لمحة وافية عما كان لدى الناس في المجتمعات المشاعية الأولى عندما كانت العائلة غير مقننة، والملكية الخاصة غائبة، والدولة لا وجود لها . انطلق انجلز من تلك الخلاصات ليبني مرجعيته المعرفية تجاه ماهية العائلة والملكية الخاصة والدولة، وتضمين العنف التاريخي. وحتى لا نتوقف طويلاً أمام سلسلة الاستنتاجات المتعلقة بعنوان الكتاب " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " سنجد أن أول مقاربة لإجازة العنف التاريخي لدى انجلز تتوازى مع الداروينية، فقد قال بأن تطور أدمغة البشر سببها الإفتراس وأكل اللحوم النيئة ، هكذا .. " لولا النزعة الافتراسية وأكل اللحوم النيئة لما تطورت أدمغة القردة العليا كيما تصبح أدمغة بشرية ". هذه إجازة للعنف، ليس من أجل البقاء فقط، بل أيضاً لتبرير التطور !، فالوحشية وسيلة حاسمة لبقاء الأقوى والأصلح، والعنف هو الطريق الأمثل للانتخاب الطبيعي . [email protected]