في كل أرجاء العالم لامعنى للتغيير في قطاعات الدولة سوى التحول إلى رهانات جديدة في الكفاءات البشرية، تتمتع بالخبرة، وتحمل رؤية عصرية مجددة ومطورة لمسارات العمل، إلا عندنا فإن التغيير يعني تبديل المظاهر! في بلد فقير كاليمن، يعاني من ضعف الموارد الطبيعية، ومثقل بالدون والقروض، لاشيء يلفت نظرك عند زيارة مؤسسة حكومية أكثر من أثاث المكاتب الفاخر شكلاً، والرديء نوعاً، والباهظ ثمناً..! ولأن هناك ثقافة سائدة بأن من حق أي مسئول حكومي جديد رمي أثاث سلفه في الشارع، وشراء أثاث جديد، وسجاد جديد، وطلاء جديد للجدران، راجت في اليمن تجارة الأثاث المكتبي، وباتت الموانئ لاتتوقف يوماً عن استقبال شحنات الأثاث المستورد من دول آسيوية بثمن بخس، وألوان زاهية، والذي يباع بخمسة أضعاف سعره.. لذلك حتى المؤسسة الاقتصادية أزاحت سلعها من أوسع أجنحتها لتتحول إلى أكبر مستوردي الأثاث المكتبي في اليمن.. في اليمن لا توجد مؤسسة حكومية واحدة تشتري الأثاث طبقاً لعروض السعر، أو مناقصات ؛ لأن الثمن تدفعه خزينة الدولة.. ولا توجد مؤسسة تخلو من أكداس الأثاث المهشم أو المكسر أو القديم الذي لايقترب منه أحد حتى يأتي أجله في صفقة مزاد مطبوخة.. فثقافتنا ليست فيها مفردة(إصلاح)، إذ إن محلات الأثاث مستعدة أن توصل طلبك إلى مكتبك، وبالسداد الآجل حتى يفتح الله عليك.. كما أن مؤسساتنا الحكومية لا تعرف شيئاً اسمه معاقبة موظف على التسبب في إتلاف جهاز، أو قطعة أثاث، أو أضاع اهمالاً بعض أدوات عمله، طالما وخزينة الدولة مفتوحة.. عند أي تغيير في مؤسسة حكومية تتحرك قوى الفساد داخل المؤسسة لتقترح على المسئول عدة تعديلات إنشائية، ومشاريع لاستحداث أبنية، أو كراجات، أو تغيير الشبابيك وما إلى ذلك، دونما أن يتقدم أحد بمشاريع تطويرية لخطط وآليات العمل؛ لأن المقترحات الأولى تستهلك ميزانيات كبيرة، وبالتالي فإن فرص الفساد كبيرة خاصة وأن المسئول الجديد مازال «غشيم»، وسيرحب بأي مقترح يظهرللعيان سريعاً أي تغيير أو «إنجاز» يتفاخر به في مستهل عهده. لو قدر للجهات الرسمية حساب التكاليف السنوية المصروفة على شراء الأثاث، واصلاحات المباني غير الضرورية لوجدنا أنها بالمليارات، وأنها تكفي لإنشاء عدة مصانع إنتاجية جديدة..! لكن للأسف لا أحد يحصي ذلك، أو يحاسب على مبرر إعادة تأثيث مكتب أي مسئول جديد، حتى لو لم يمض على الأثاث السابق سوى أشهر. قد يرى البعض الأمر تافهاً، إلا أننا نجده في غاية الأهمية عندما تبذخ هذه الأموال على المظاهر بينما تبخل أغلب المؤسسات على موظفيها بأي مكافآت انتاجية، من شأنها رفع قدرات عملهم..! وعندما يتحول الشغل الشاغل أعمالاً إنشائية غير مبررة أو غير ملحة أحياناً، وتهمل الوظيفة الأساسية لهذه المؤسسة.. لأننا حينئذ نكون قد خدعنا أنفسنا، والدولة، والمجتمع بمظاهر لا تدل إطلاقاً على نوع الأداء المتستر وراءها. أعتقد أن على الحكومة في غمرة اصلاحاتها الإدارية والمالية أن تعمل على تقليص اعتمادات باب هذا النوع من الانفاق، وكذلك تجميد أي حركة شراء لثلاث سنوات أو أكثر، ووفق لوائح مشددة تحمي المال العام من الهدر.. كما ان على الأجهزة الرقابية رصد مثل هذه الحالات وفتح المساءلة بشأنها.. فليس المهم أن تكون سندات الصرف والبيع سليمة وحسب، بل الأهم أن تكون جدوى الإنفاق سليمة، وتمثل إحدى أولويات احتياجاتها الأساسية.. وليس مجرد هوس لإشباع الغرور!!