ليس المهم أن تعلن عن توريد مصنع حديث، أو تأثيث مؤسسة بأفخر المكاتب، أو توريد أرقى زوارق الصيد، لأن الأهم أن تحمي كل ذلك من العبث، وأن تتوارثه الأجيال عنك «كنزاً» وليس «حطباً» ! كلما دخلت وزارة الصحة استوقفتني مخازنها الفسيحة، وسألت نفسي ألا يوجد أحد في هذا البلد يرى برادات الأدوية المغلفة بأقفاص خشبية وقد أهلكتها الأمطار والرياح والشمس دون أن يسمح لها بدخول المخازن أو توزع على المراكز الطبية لتستفيد منها !؟ وها أنذا أمر منها منذ العامين ويتقطع قلبي عليها من غير أن أجد شخصاً واحداً يلقي بالاً إليها. في كل مؤسسة ودائرة حكومية تدخلها يذهلك الأثاث المرمي كما الأنقاض، والمكاتب المكسرة. والأبواب المخلوعة، والسيارات التي تحولت إلى «نقل خاص للأجرة» وصارت خراباً، والجدران القذرة، وكل شيء مبعثر إلا مكتب المسؤول الأول لأن كل مسؤول جديد يغير الأثاث وتلك سنة في اليمن وليس في أي بلد آخر. لم أسمع يوماً أن موظفاً عوقب بغرامة لكسره مكتباً أو زجاجة بسبب الأهمال.. ولم أسمع أن مديراً فرض على أحد موظفيه غرامة قطعة مكتبية أضاعها أو «سرقها» .. ولم أسمع بمسؤول أصلح سيارته على نفقاته الخاصة بعد أن صدمها أحد أبنائه الصغار خلال عبثهم بها في الشوارع. لكنني دائماً أرى العمال وهم يصبغون واجهات المباني.. والمدراء وهم يأمرون بتجديد الفرش، والسيارات الحكومية وهي محملة بالنساء والأطفال وأحياناً بأغراض منزلية وهي تجوب الشوارع من غير أن يسأل أحد : هل يحق لهذا السيارات أداء دور سيارات الملكية الخاصة أم لا ؟ وهل يحق استخدام ممتلكات الدولة للأغراض الشخصية !؟ أتمنى أن يجيب أحد المسؤولين عن مشروعية استخدام سيارات الدولة بعد انتهاء الدوام الرسمي لأنني بحاجة إلى استخدام مكتب العمل في الصحيفة للبيت ليعين الزوجة على بعض أعمال التقطيع في المطبخ !؟ فلا فرق حينئذ بين السيارة والمكتب بل إن خسارة المكتب أقل بكثير من ثمن السيارة. لدي تساؤلات عديدة أحملها إلى مدراء المؤسسات والدوائر الحكومية.. ياترى ما الذي يمنع من التجوال داخل دوائركم وتفقد مكاتب الموظفين والأثاث والمباني والنوافذ والأبواب !؟ ولماذا تملأون بيوتكم صراخاً إذا كسر أحد الأطفال زجاجة النافذة ولاتفعلون الشيء نفسه حين تتكسر عشرات الزجاجات في مؤسساتكم !؟ لماذا تسمحون لسيارات دوائركم بالخروج منها بعد انتهاء الدوام الرسمي وقد انتفت الحاجة إليها !؟ لماذا لاتفاصلون البائع حين تشترون أثاثاً أو معدات مكتبية ؟ لماذا تترك الكثير من المواد والتجهيزات تحت رحمة الشمس والأمطار وأنتم تعلمون أن ذلك سيتلفها؟ ولماذا لا تحاسبون المقصرين وتكافئون المجتهدين والحريصين على ممتلكات الدولة!؟ولماذا يتغير أثاث المكتب كلما تغير المدير فهل تخشون انتقال عدوى قاتلة منه !؟ فلتصحو ضمائرنا، ولننظر إلى كل شيء كما لو كان ملكنا، ولنحرص أن نورث أبناءنا مؤسسات ودوائر عامرة لا خراباً وأنقاضاً.. فلن تمطر السماء ذهباً أو مالاً، وما هو موجود من موارد في البلد كلنا نعلم أنها شحيحة، وإذا ما استنفدناها في أثاث وأصباغ وتصليح أو تبديل سيارات، وتعويض ما نخربه من معدات مكتبية لن يبقى لنا شيئاً لنعمر به أي مركز صحي أو مدرسة أو شارع، أو ندفعه قرضاً لشاب ليبني به مستقبله. علينا أن نعترف أن رؤساء الدوائر والمؤسسات هم الذين يبيحون الممتلكات العامة بتغاظيهم وعدم المبالاة.. وقد تعلمنا أن «المال السايب يعلم التبذير ولانقول السرقة».. وبتقديري أن هذا التسبب حرام شرعاً قبل أن يكون فساداً.. فاتقوا الله في هذا البلد، واتقوا الله في مستقبل أبنائنا، وحافظوا على ممتلكات الشعب فإن غفل الشعب عن محاسبتكم فتذكروا أن الله لايغفل وسيحاسب كل منا على ماقدمه من عمل صالح لأهله وشعبه وأمته !