في أول الحكم الشيوعي بعد الثورة في روسيا فرضت الثقافة الاشتراكية، وكان رأي بعض المفكرين أن أفضل ما تنجزه الثورة للشعب الروسي هو محو الأمية، ولابد أن يكون محو الأمية فريضة ضرورية لا يمكن أن يتخلف عنها أحد. وبدأ المعلمون ينتشرون في الريف بالمقام الأول؛ لأن الجهل فيها أعم وأشد قسوة، والإنسان الريفي هو مصدر الإنتاج، هو الذي يوفر الغذاء للمدينة والريف، وهو الذي يفلح الأرض من أجل الغذاء والكساء، فلقد قررت الثورة أن تأكل مما تزرع، وأن تلبس مما تصنع. وهكذا فعل الحكم الشمولي في كل من الصين التي أصبحت بعد الثورة «شعبية» وكما فعل القائد "كاسترو" بعد رحيل "تشي غيفارا". وصنعت الثورات المذكورة وعياً شعبياً عارماً وأصيلاً بذات الوقت في كل العقول، وهو أنه من العار على أي شعب يستورد غذاءه وكساءه - وتبع ذلك سلاحه - من الخارج، فأصبحت شعوب كثيرة تستورد غذاءها وكساءها وأدواتها الأخرى من روسيا، والصين، وكوبا. وسعى جمال عبدالناصر إلى نشر التعليم في الريف أولاً، وتحرير الفلاح المصري من هيمنة الإقطاع، لتصبح للفلاح شخصيته المستقلة عن الباشوات والعُمد والأسر المحتكرة!!. فبعد سنوات من ثورة يوليو 52م انتشر التعليم في كل نجوع مصر، وأصبح الفلاح يأخذ مكانه في مؤسسات الدولة المختلفة، حتى إذا ما استقرت الثورة تبوأت "مصر عبدالناصر" مكانة ممتازة بين الأمم، لولا أن الاستعمار استشاط غضباً فأراد أن يكسر يقظة الأمة العربية التي قادها ناصر في بداية النهضة المعاصرة. في اليمن أصبح التعليم إلزامياً بفضل الثورة، غير أن هذا لا يكفي؛ فلابد أن يُفرض منهج خاص؛ يطال الأمي والمتعلم، وهو منهج «الوطنية» كتاب ينبغي أن يكون رديف المصحف الشريف في كل منزل يمني، يقرأ فيه اليمني تاريخه الماجد المتألق، ومعاناة آبائه وأجداده الذين صنعوا حضارة يمنية شامخة. ليكون هذا الكتاب المنهج الضمان الأكيد لاستمرار تقدم اليمن وشموخها.. نعم ولو كانت القوة هي الوسيلة لفرض هذا الكتاب لرحّبنا بها.