علاقة الغرب بالقطط والكلاب تفوق قدراتنا على استيعابها، خاصة عندما يقال لنا إن الفنانة (بريجيت باردو) كانت تنفق الملايين من ثروتها على منظمتها لرعاية الحيوان.. فهل يتمتع الغرب حقاً بإنسانية مفرطة !!؟ في بداية الثمانينيات من القرن الماضي كنت أتصور أن الشعب الأمريكي كله بعذوبة الدكتورة «اراكسي» تلك السيدة الامريكية التي كانت تدرسنا الأدب الانجليزي «الشعر» فهي عندما طلب منها العميد إخباري بمغادرة الفصل بسبب ورود نبأ استشهاد أحد افراد أسرتي تعثر لسانها وسبقته الأعين بالدموع.. فقد كانت جذوة من الانسانية المتدفقة.. في التسعينيات لم يعد للدكتورة«اراكسي» آي وجود ، ولاالدكتورة «ايمي سكويرة» بل حلت بدلهما شخصية الجنرال «شوارتسكوف» وآلاف الطيارين الأمريكيين الذي كانوا يمطرون مدن العراق بالقذائف والصواريخ.. ويحصدون الجنود المنسحبين من الكويت - بلا سلاح - كما لو كانوا يلعبون «بلاي ستيشن» وبعدها كان الحصار والتجويع هو اللغة الأمريكية الوحيدة التي نتذكرها طوال اثني عشر عاماً وحتى الاحتلال وويلاته.. لست بصدد سرد مذكرات ، بل تحديد ملامح الحب والكراهية التي يحملها الانسان العربي للولايات المتحدة وبعض الغرب ..فهي ليست مشاعر فطرية تولد مع الطفل العربي، بل هي انعكاس لممارسات الأمريكيين أنفسهم ومايمكن أن تخلفها من انطباعات وجدانية في النفوس.. فالامريكيون بوسعهم انتزاع مودتنا بنفس الطريقة التي مارستها الدكتورة «اراكسي» وغيرها لكنهم لايفعلون ، ويفضلون العيش وسط الحراسات المشددة، وزيارة بلداننا بالبارجات أو طائرات «الاباتشي» ومصفحات «الهامر» !! مشكلة الأمريكيين هي أنهم ملمون جداً بكل أدبيات وفلسفات الحقوق الانسانية ، ولديهم قوانين صارمة لكنهم في نفس الوقت يسخرون الإنسان لخدمة المصالح المادية، لذلك هناك اليوم مئات آلاف الأمريكيين يخدمون في شتى بقاع الأرض تحت ألوية الجيش الامريكي بعيداً عن عوائلهم.. وهناك آلاف الامريكيين من ديبلوماسيين وخبراء يخدمون في بلداننا النامية وسط مناخ من القلق والحذر، وخطوات محسوبة مسبقاً..! في قيمنا العربية نحن نخجل ان يعيش الاجنبي بيننا خائفاً أو قلقاً ، إلا اننا نقف بلا حيلة ازاء الامريكيين لأنهم هم من يضع نفسه في هذه المواقف الحرجة ولانستطيع منعهم من ممارسة العنف والغطرسة والاستبداد.. وهو السلوك الذي سيحمل أبناؤنا وأبناؤهم أوزاره إلى حقب تاريخية اخرى قادمة، مهما حاولنا بناء مجتمع مدني تطبيعي ، لأن الولاياتالمتحدة تعرف قبل غيرها ان هذا المجتمع المدني التطبيعي منغلق على فئة صغيرة جداً لاتكاد تحظى بأي رقم نسبي قياساً لمجتمعاتها .. وبالتالي فإننا قد نستطيع خداع الإعلام بثقل وهمي لتلك الفئة إلا أننا يستحيل أن نتجاوز الواقع وأحداثه اليومية التي تفرز نتائج مغايرة..! لاأدري ان كان الأمريكيون يتابعون فضائياتنا العربية أم لا.. لأنهم لو تابعوها، وتأملوا في الافلام الأمريكية التي نعرضها لتأكدوا أنه ترسيخ ثقافة الازدراء للأمريكيين لكونها تعج بالعنف والمجون، والتفسخ الاجتماعي .. ولاوجود للدكتورة «اراكسي» فيها اطلاقاً .. غير أن العزاء الوحيد هو فيما تقدمه (أوبرا) من رسائل انسانية تعيد لذاكرتنا صور كل الشخصيات الأمريكية النبيلة التي عرفناها.. والسؤال هنا هو كيف لشعوبنا أن تكون في حوار حضاري مع الشعب الامريكي ان لم يحسن الامريكيون تقديم أنفسهم لمجتمعاتنا !؟ كيف نستطيع إقناع أبناءنا بأنهم (اصدقاء) بينما هم يتجولون بيننا مدججين بالأسلحة ؟ كيف يمكن إقناع شبابنا بأن امريكا تنشد السلام للعالم بينما هم يرون الرئيس بوش يداعب كلبته بيد وباليد الاخرى هاتف يصدر منه أوامر لجيوشه بسحق هذا الشعب أو ذاك!؟ كم أتمنى لو تنقل السفارة الامريكية بصنعاء رسالتنا هذه إلى صناع السياسات الامريكية ، والرأي العام الامريكي ليعرفوا أننا شعوب لاتحمل فكراً متطرفاً ، بل تساؤلات مشروعة، وقلقاً كبيراً على مستقبل الأجيال..!!