في مقال سابق كنا قد طالبنا برفع المخصصات المعتمدة للجان الاختبارية سواء فيما يتعلق بالمراقبين والملاحظين أم فيما يتعلق باللجان الأمنية وقد تحقق ذلك من خلال اعتماد عشرين مليون ريال من ميزانية المجلس المحلي للمحافظة لهذا الغرض وهذه خطوة إيجابية باتجاه نزع فتيل التبريرات التي نسمعها من رؤساء اللجان الاختبارية أو من الجهات الأمنية. العام الماضي وقبل اختبارات الثانوية العامة وفي اجتماع حضره المحافظ الأسبق أحمد عبدالله الحجري والجهات المشرفة على الاختبارات تبادل الطرفان الأساسيان التربية والأمن الاتهامات بشأن تسهيل الغش وإدخال الإجابات النموذجية للطلاب وتحديداً لأبناء بعض المتنفذين الذين لم يعرفوا قاعات الدراسة طوال العام الدراسي وفي نهاية النقاش الحاد اتجهت جميع الآراء إلى أن ظاهرة الغش استفحلت بفعل عوامل عديدة أسهم الجميع بانتشارها ويجب أن يسهم الجميع بإيقاف عبثها والمطلوب أولاً بأن تتحول النظرة إلى الغش كجريمة يرفضها المجتمع ومن يمارسها أو يعمل على تسهيل ارتكابها مدان من وجهة نظر المجتمع، ويجب أن ندرك أن مسئولية التربية والأمن مسئولية مشتركة ولا يمكن أن تتم عملية الغش إلا بتواطؤ من الطرفين رجل الأمن والمراقب. عملية الغش تبدأ مع اختبار رؤساء اللجان الاختبارية عندما توكل لأشخاص غير أكفاء ولا أدري ما صحة الشائعة التي تقول إن اختيار رؤساء اللجان يتم بمقابل مالي مع التنويه إلا أن هناك رؤساء لجان متمرسين ومشهوداً لهم بالنزاهة والكفاءة لذلك فإن تقييم أداء رؤساء اللجان مهم ورفع تقارير عن سير الاختبارات في المراكز ومدى انتشار ظاهرة الغش في كل مركز على حدة.. وأعتقد أن التربية لا تفتقر للطريقة التي تمكنها من تقييم أداء رؤساء اللجان وبالتالي يتم إعفاء كل من يثبت عدم أهليته لتولي هذه المسئولية مستقبلاً. السر الآخر الذي لم أجد له تفسيراً تربوياً أو فنياً هو تجميع طلاب المدارس الأهلية في مراكز اختباري واحد لكن بالتأكيد له تفسير يغلب عليه الجانب الانتهازي الذي يسهل لأبناء المتنفذين الغش بطريقة رسمية، وبالمناسبة كم تعجبت واستغربت عندما اكتشفت أن اثنين من ابناء أحد كبار المسؤلين يختبران في احدى اللجان الاختبارية ولم يسعَ للتوصية على أبنائه بل ما سمعته أنه رفض أية محاولة من مرافقيه لتسهيل الغش لأبنائه وهدد بمعاقبتهم إن حاولوا ذلك، استفساراتي أوصلتني إلى أن هذا المسئول القدوة كان يتابع أبناءه في المدرسة أولاً فأولاً وكان حريصاً على تحصيلهم العلمي فلم تخب جهوده في ذلك فمثل هؤلاء يجب أن تكرمهم وزارة التربية والتعليم كآباء وأولياء أمور أنموذجيين. تسهيل الغش هو فعل ولكل فعل فاعل والفاعل هنا هو أحد شخصين إما المراقب بدرجة أساسية أو رجل الأمن بدرجة ثانوية إلا أن الجهات الأمنية يجب عليها إلزام أفرادها بعدم تجاوز بوابة المركز الاختباري ولا يجوز لهم الدخول إلى داخل المركز الاختباري تحت أي مبرر ويُترك للتربويين معالجة أية مشكلة قد تنشأ داخل المركز الاختباري تربوياً. قضية جوهرية وذات أهمية تتعلق بنوعية الغش فما قد يتبادله الطلاب من معلومات بخوف وقلق داخل اللجنة لا يشكل خطراً على مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب لكن الخطورة تكمن في عملية الغش المنظم الذي يأتي بإجابات أنموذجية من خارج اللجان وتدخل عن طريق السماسرة إلى قاعات الاختبار مما يخلق هوة سحيقة في مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب أيضاً هنا يأتي دور التربية والتعليم في متابعة المدرسين الذين يقومون بحل الاختبارات وتحويلهم إلى الشئون القانونية أو النيابة حتى تنتهي هذه العملية ويشعر المدرس الذي ارتكب مثل هذا الجرم بفداحة جرمه ويكون عبرة لغيره من ضعاف النفوس. رغم قناعتي المطلقة بأن الاختبارات هي جزء من العملية التعليمية والتربوية والمراقبة هي جزء من عمل المعلم وما يقدم له من مقابل مالي ما هو إلا حوافز ومقابل مواصلات ومع ذلك فإن زيادة المخصصات تزرع مبرراً كثيراً ما سمعنا به فالمعلم هو المعني بدرجة أساسية في الحد من هذه الظاهرة لأن الغش هو خيانة لجهد بذله المعلم طوال العام الدراسي وفيه خيانة لمبدأ دستوري وهو تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع وفيه خيانة للمجتمع «للطالب وولي الأمر» لأن فيه إيهام للمجتمع بأن هؤلاء على قدر من الأهلية والكفاءة في تولي قضايا مجتمعية مستقبلاً، كما أن هذه الظاهرة سبب رئيس في تراجع مستوى التعليم فالطالب أصبح يركن إلى الغش كوسيلة فاعلة في تحقيق النجاح ولا يهتم بالتحصيل العلمي والتفوق الدراسي وهو ما يشكو منه المعلمون واعتقد أن الجدل الدائر في الوسط التربوي حول الظاهرة هل أن الغش هو نتيجة لتدني المستوى التعليمي أم أن تدني المستوى التعليمي هو سبب مباشر لظاهرة الغش لا يجعل منها قضية، فكل منهما مرتبط بالآخر وكل منهما سبب ونتيجة للآخر، القضية التي تستحق النقاش هو تفعيل الجهود لإيقاف ظاهرة الغش والبحث عن ممكنات الارتقاء بالعملية التعليمية والتربوية.