ضمن كل الخيارات والاختيارات التي قد تكون متاحة في وقت من الأوقات يجب أن يكون الوطن أولاً ثم الوطن..ثم الوطن ثم لاخيار سواه،ولامجال لمجرد التفكير بمسألة الاختيار عند من يعي معنى هذه المفردة الجميلة،ولن يعي ذلك سوى من كان سليم الفطرة والأخلاق،وعدا ذلك فقد رأينا وسمعنا عن أناس باعوا أوطانهم في أسواق النخاسة، ثم لم يربحوا شيئاً فحلت عليهم لعنة الله والناس والتاريخ.. كل مايضر بالوطن أرضاً وإنساناً هو بيع وإن حاول البعض أن يزين هذا العمل بمعسول الكلام،أو يسميه بغير اسمه،أو يختلق له مبرراً يجيز له عمله وما أكثر المبررات حين يقرر النخاس أن يبيع وطناً بطريقته في البيع والشراء،وما أسهل أن يتخذ قراراً كهذا وأسوأ أنواع البيع التي يتحدث فيها أصحابها عن وطنية لاتقارن وليس لها من مثيل عند غيرهم. الوطنية بهذه الصورة يصعب فهمها،مثلما يصعب فهم التعذيب والقتل بدافع الحب والرحمة.. ولهذا نرى أصحاب هذا المبدأ يبررون جرائمهم بمقاصد نبيلة في ظاهرها ويلوكون بأفواههم أعذب الألفاظ والكلمات،وينسجون أجمل الشعارات للتغطية على حقائق الأمور. وهذه التغطية تسمى عند البعض «سياسة» وعند البعض الآخر يسمونها «تُقية» وحين يختلط المسميان أو يتزاوجان يصبح الناتج شيئاً ما بمنتهى الحقارة والبشاعة،وأكثر من ذلك حين يُستخدم كل واحد منهما أو ناتجهما في تحديد العلاقة بالوطن،والوطن هنا يضم الأرض والإنسان معاً،وكل عمل يُمارس بعيداً عن الأخلاق ولمقاصد يقف وراءها أحد المُسَمَيَيَن السابقين تكون محصلته النهائية أشد قبحاً من كل قبيح.. السياسة القائمة على ثقافة البيع والخيارات والاختيارات وتصفية الحسابات ومبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان»،هذه السياسة استطاعت أن تجمع المتناقضات كلها في سلة واحدة،وقيل هو محصول مشترك،ولا مشترك بينهم سوى أنهم يكذبون على بعضهم أولاً بأنهم شركاء في السلة التي يريدون تقاسمها حين تسمح بذلك الظروف.. ثم أنهم شركاء في عدائهم لسواهم لا معارضتهم له،ومابينهم من الخلاف أكثر من سواه وعما قريب سوف تضيق من مرّهم سلتهم وينسكب العلقم كله ويحدث الطلاق المشترك فلا تستعجلون.. أليس من الغريب أن ينطق من يقاتل وطنه أو يقود عصابة مسلحة لهذا الغرض ويقول إنما يفعل ذلك من أجل ترسيخ دعائم العدل،ولايريد سوى أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية؟أليس من الغريب والعجيب أيضاً أن يقف البعض من دعاة الوطنية والنضال وقفة المتشفي بالجميع لايهمهم في الأمر شيئاً سوى أنهم يرجون أن تأتي نتائج الحرب بما تشتهي أنفسهم وبما يخدم مصالحهم المشتركة في سلة لقائهم الموعود؟ وحين ينطقون بشيء يكون أسوأ من صمتهم وأسوأ من التشفي الملعون الواضح في عناوين مايقولون وما يكتبون وفي الاخبار التي تتصدر صحفهم ومواقعهم الاخبارية وصاروا بها دعاة للتمرد وناطقين باسم التمرد ليس أقل.. ولاتفسير لكل هذه المواقف التي لاتضع اعتباراً لوطن ولا لمصالح الناس جميعاً وتضع كل شيء على طاولة الخلاف حتى الوطن الذي يقولون إنهم يفعلون كل شيء من أجله!!!