إن صّح القول بأن مجلس النواب هو «مجلس الشعب»، فإلى أي المجالس يلوذ الشعب حين يقاطع ممثلوه البرلمان؟ وما بال صوت الشارع لايرتجع صداه بين جدران البرلمان وكيف صار صوت الحزب أعلى من صوت الشعب!؟ لم أكن راغباً في معاودة الكتابة عن البرلمان، غير أن أصواتاً برلمانية ارتفعت في غضون اليومين الماضيين لنواب من أبناء عدنوحضرموت تطالب برفع التمثيل البرلماني للمحافظات الجنوبية.. والعذر في ذلك - بحسب النائب محسن باصرة، رئيس فرع الإصلاح بحضرموت - هو لأنها تمتلك ثروات نفطية تدر على خزينة الدولة موارد كبيرة.. فتساءلت مع نفسي: إن كان باصرة دخل البرلمان ممثلاً عن نفط حضرموت أم عن أبناء حضرموت؟ وفيما إذا أصبحت براميل النفط تحمل بطائق انتخابية، وتمتلك حق التصويت!؟ ورغم الاحباط الذي أوجع نفسي منذ سماع تلك الدعوة، إلاّ أنني أمهلت عقلي فرصة لتقليب الفكرة ، فاكتشفت طبقاً لنظريات باصرة أن محافظة تعز التي تضم ثلثي سكان اليمن لايستحق أبناؤها دخول البرلمان لأنهم لا يمتلكون قطرة بترول.. بل لايستحقون حق دخول المدارس لأنهم أيضاً لايمتلكون ماء!! من هذا الموقف نستشف طبيعة الإشكالية التي يواجهها العمل الوطني في اليمن، والتي تكمن في أننا نعيش عصرنا الحديث بعقلياتنا القديمة، ومهما تطورت ممارساتنا السياسية ظل البعض أسير ثقافة الماضي وأزماته، وعقده لدرجة أن النائب باصرة الذي يتزعم فرع حزب إسلامي ظلت النظرية المادية الاشتراكية التي عاشها في انتمائه السابق هي المسيطرة على تفكيره، والتي يفسر على ضوئها شتى أمور الحياة.. لذلك من يتتبع خطابات وتصريحات النائب باصرة يستحيل أن يجد أحدها يخلو من الحديث عن النفط وأرباح النفط ومطالبة الدولة بحصص منه حتى أن أحد الزملاء في «الميثاق» أطلق عليه لقب (أويلمان حضرموت) - أي رجل نفط حضرموت. ولعل مثل هذه الدعوات ذات الصبغة المناطقية تستحق من رئاسة مجلس النواب فتح ملف الخطاب المناطقي الذي يرفعه بعض أعضاء المجلس عنواناً يدرجون تحته مختلف القضايا الوطنية، بل صار سبيلاً لابتزاز مختلف مؤسسات الدولة من خلال تجريم هذه الجهة أو هذا الموظف بتهمة التمييز المناطقي ظلماً وعدواناً بغية تمرير إجراءات غير مشروعة! إن في صدارة الهموم التي يعيشها الشارع اليمني ويصم البرلمان آذانه عنها هي ثقافة الكراهية التي تروج لها بقوة بعض الأحزاب - خاصة المشترك - في خطاباتها السياسية، وبياناتها، وكتاباتها حتى رسخوها في الرؤوس، وصارت مثل «البسملة»، ولا يخلو منها خطاب، وينظر إلى ذكرها بقدسية، فاختزلوا هموم الوطن ب «حقوق أبناء الجنوب» كما لو أن أبناء المحافظات الشمالية يركبون سيارات «المونيكا»، وليس من أحد بينهم إلاّ وينام متخماً، ويتقاضون مرتباتهم بالدولار، وغيرهم بالريال، وكيس الدقيق عندهم بعشرة ريالات وغيرهم يشتريه بسبعة آلاف ريال!! أليس مجلس النواب هو «مجلس الشعب» ومسئوليته الأولى حماية حقوق الشعب!؟ فأين هو من هذه الفتنة التي يقودها نواب وقيادات حزبية جهاراً، نهاراً دون أن يحرك ذلك من المجلس ساكناً.. فحين تنزلق نخب الشعب البرلمانية إلى هذه الممارسات، وبلغ بها الأمر إلى طرح مشروع فتنة جديدة تستهدف مجلس النواب من خلال الدعوة لتخصيص مقاعد لتمثيل النفط وليس البشر، فإن المسألة تستدعي كثيراً من التأمل، وبعد النظر في تحديد الهدف المرجو من هذه الدعوات.. والذي لن يكون سوى إخراج البرلمان عن وظيفته الحقيقية، وتحويله إلى شركة ربحية يتقاسم أرباحها أقطاب اللعبة.. والأخطر من ذلك هو «تأميم» المال العام على أساس مناطقي وحزبي، وإلغاء مصطلح «ثروات الشعب» - بمعنى تجريد الشعب من كل ما يملك وتحويله إلى قطيع للتظاهر فقط!