بدأت الإجازة الصيفية لتبدأ مآسيها تتوالى تباعاً، ومع كل مأساة تحدث يتضح حجم الإهمال والتقصير في كثير من الأعمال وحين يتم تفادي ذلك يكون الثمن قد دُفع باهظاً وتكون الخسارة فادحة بكل المقاييس. عدت إلى المنزل ليستقبلني ابني عند الباب بدموعه وحسراته البريئة، كبراءة طفولته وقبل أن أسأله عن تفاصيل دموعه بادرني قائلاً: صاحبي مات يا أبي،واسترسل لقد غرق «رامي» في الماء.. لم يكن ذلك في البحر وفي سد من السدود،إنما في مكان لايخطر على بال الصغار.. لقد ذهب مع الأطفال ليشاهدوا حفار الماء الذي يحفر بئراً في قاعة المؤتمرات بأمانة العاصمة القريبة من «الحارة» وبسبب الإهمال والتقصير من قبل القائمين على العمل،حيث لم يضعوا مايدل على خطورة المكان الذي تتجمع فيه المياه المخلوطة بالصابون والرمل الناعم الناجم عن عملية الحفر،فانزلقت أقدام «رامي» ليغرق في بركة الوحل ويموت فيها في زهرة عمره التاسعة، وهو لايعلم ما الذي حدث لتنشق الأرض وتبتلعه على مقربة من الحفار، ومن لطف الله نجا الطفل الآخر الذي حاول إنقاذه وقد غرق إلى منتصف قامته في نفس المكان. بعد المأساة وبعد أن ذهب «رامي» إلى ربه شهيداً وشاهداً على حجم الإهمال واللامبالاة التي يتعامل بها البعض في قضايا بهذه الدرجة من الخطورة،حيث لم يكلف أحد من القائمين على عملية الحفر وهم أدرى الناس بخطورة ذلك المكان الذي تتجمع فيه نواتج الحفر، ومع ذلك لم يكلفوا أنفسهم أن يضعوا موانع حول المكان الذي يمكن أن يلتهم الكبار بسهولة بالغة فما بالنا بطفل كالطائر الأزغب؟ لكنهم لم يفعلوا ذلك فحدث ماحدث. بعد المأساة يمكن والعالم الله أن يتحرك هؤلاء لمنع تكرار الحادثة في الليل أو في النهار ويعملوا مثلما يعمل الناس في بلاد العالم كله لمنع حدوث مثل هذه المأساة، وحتى لانظل نقدم القرابين لكل بئر تُحفر وكل مشروع يجري العمل فيه.. ثم ما أهمية وجود المهندسين والمتخصصين وغيرهم إن كانوا لم ينتبهوا لمثل هكذا خطر يتصيد الناس أثناء عبورهم وبالأخص الأطفال الذين لاعلم لهم بهذه المخاطر؟ لقد أرقني هذا الحادث الذي ذهب ضحيته طفل في وقت مبكر من صباح العمر وهو يرسم أحلاماً وردية لقضاء إجازته الصيفية ليعود بعدها إلى مدرسته التي تركها على أمل اللقاء بزملائه قريباً، وزاد حزني وألمي وأنا أرى أثر هذا الحادث على نفسية ابني حين لم ينم من حزنه على صاحبه وبات يسترجع ذكرياته ويتذكر محاسنه وكيف سيأتي الغد في غياب «رامي»؟. الأطفال أكثر حزناً من الكبار لفقدان صديق لهم وحين يكون الرحيل بهذه الصورة المفاجئة يكون الحزن أكبر.. فهل يدرك القائمون على ذاك العمل نتائج إهمالهم وتقصيرهم؟ نتمنى أن يدرك الجميع أبعاد ماحدث وأن يعمل الجميع على تفادي تكرار مأساة «رامي» ولأهله كل العزاء..