يعتبر التنازل عن أي مصالح أخرى من أجل مصلحة الوطن قمة الانتصار لأية جهة أو فرد يقدم هذا التنازل.. مصلحة الوطن تأتي في مقدمة جميع المصالح؛ لأن المصلحة الوطنية ليست خاصة بفرد أو جماعة أو فئة أو طائفة أو جهة، أو حزب؛ بل هي ملك لكل تلك الجهات، وكل فرد في المجتمع له نصيب من تلك المصلحة.. فمصلحة الوطن تعني الأمن، وهو حق لكل مواطن، وتعني الاستقرار وهو حق لكل مواطن، وتعني كذلك العدل والمساواة والتقدم والرقي، وتعني قمع الفتن ومحاربة التخريب ومكافحة الفساد، وتعني رقي التعليم والثقافة وتقدم الاقتصاد والحفاظ على أمن المجتمع وسلامته واستقراره، وهذه كلها من قيم المصلحة الوطنية التي هي حق لجميع المواطنين من كافة الطبقات والشرائح. وإذن حينما نقدم مصلحة الوطن على جميع المصالح فإنما نؤكد حقيقة مسلمة وهي تقديم مصلحة جميع أفراد المجتمع على مصلحة أي فرد أو جماعة أو طائفة أو جهة حينما تتعارض تلك المصالح الخاصة مع المصلحة العامة. هذه تقدمة معلومة لكل الناس؛ وإنما أردنا هنا أن نذكر بها بمناسبة العودة إلى التفاهم والحوار الذي يجري حالياً بين المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك. ليس في التنازل للمصلحة الوطنية غالب أو مغلوب، وهذه حقيقة مجمع عليها ولم يقع فيها أي خلاف سواء بين فقهاء الدين أم فقهاء السياسة، وأي باحث يريد أن يؤصل لهذه المسألة سواء على المستوى الديني أم المستوى السياسي فسيصل إلى النتيجة السابقة، وهي أن مصلحة الوطن تلغي جميع المصالح المتعارضة معها باتفاق الفقهاء. حينما تطل المصالح المتعارضة مع مصلحة الوطن برأسها في أي حوار ينتهي ذلك الحوار بالفشل. وحينما يتعصب أحد المتحاورين لرأيه ويلغي رأي الآخر ينتهي الحوار بالفشل، وحينما يتقدم أحد المتحاورين للحوار وقد حسم النتيجة التي يريدها مسبقاً ينتهي الحوار بالفشل، وحينما يتجاوز أحد المتحاورين الواقع ويقفز فوق الحقيقة، ويتجاهل جميع الحقائق ويستعمل في حواره المعلومات الناقصة أو المعلومات المضللة أو المعلومات الخاطئة فلا شك أن مصير الحوار الفشل. وفي الحالة اليمنية الراهنة لن يكتب لأي حوار النجاح إلا إذا انطلق المتحاورون من المسلمة الوطنية التي أشرنا إليها وهي مسلمة مصلحة الوطن أولاً. الرؤية الصادقة للمصلحة الوطنية هي الضمان الوحيد والأكيد لنجاح الحوار الذي يجري حالياً بين أطراف العملية السياسية في بلادنا. يعلم السياسيون جميعاً أن الذي رجله في السلطة غير الذي رجله في الشارع، الذي يمارس السلطة يعلم الأعباء المادية والجسمية والنفسية والعقلية المترتبة على تلك الممارسة. أما الذي في الشارع فلا يشعر بشيء من ذلك، ولذلك يسهل عليه النقد أو الهدم أو التخريب وإبراز العيوب بل تضخيمها. وقديماً قال المثل اليمني: «مخرب غلب ألف عمار» وكم من معارض أسندت إليه سلطة فانقلب على عقبيه وارتد عن كل ما كان يردده في الشارع. نتمنى للحوار الجاري التوفيق والنجاح.