«لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.. المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».. هذا مضمون ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حول شد الرحال بغرض العبادة.. وإلى غير هذه الثلاثة المساجد لا يجوز شد الرحال اعتقاداً بأن السفر إليه يغني عن أداء ركن من أركان الإسلام، ألا وهو «الحج»، فالحج ركن من أركان الإسلام، له شروطه وأركانه ومكانه، وزمانه «موعده»، وطقوسه «شعائره».. وعليه لا يتم الحج، ولا يحتسب أداؤه إلا وفق ذلك، وما عداه فليس حجاً، ولا يتم الحج ولا يحتسب حتى حجاً لأن الحج «عرفات». سرى اعتقاد في بلادنا وعادة أن أداء صلاة أول جمعة من رجب في جامع الجند تساوي (الحج)، أو كأنها حج.. وهو اعتقاد باطل ليس له ما يثبته أو يسنده من قريب أو بعيد.. وقد جرت العادة في بلادنا أن يشد الكثير من الناس الرحال إلى جامع الجند، وقبل يوم أو يومين من حلول أول جمعة من رجب على اعتقاد أن صلاة الجمعة الأولى من رجب في جامع الجند تعدل حجة، أو كأنها حج، أو أنها حج.. وما زال هذا الاعتقاد قائماً في كثير من بلاد اليمن.. بل إن هناك من يجعل لهذه الجمعة احتفالاً خاصاً لا يختلف عن الاحتفال بأعيادنا الدينية «عيدي الفطر والأضحى»، ويكتسي فيه الكبار والصغار الملابس الجديدة، وما إلى ذلك من مظاهر الاحتفال. لا أريد التقليل من هذه المناسبة، بل إني مع الاحتفاء بها كمناسبة دينية تؤرخ لأول مسجد وأول جمعة في اليمن بإمامة الصحابي الجليل معاذ بن جبل، رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن لدعوتهم إلى الإسلام وتعليمهم الواجبات الدينية.. إنها مناسبة عظيمة ولمن يشأ من اليمانين أن يحتفي بهذه المناسبة بكل الطرق ومظاهر الفرح والسرور، وأن يذهبوا إلى جامع الجند قبل الجمعة الأولى ويقيموا فيه الأماسي الدينية وليالي «الذكر» حتى تحل الجمعة الأولى فيؤدون الصلاة وينصرفوا عائدين كل من حيث أتى فرحين مسرورين.. لكن أن تشد الرحال إلى مسجد الجند قبل الجمعة الأولى من رجب بأيام، وتقام الطقوس الدينية ليلاً ونهاراًحتى يوم الجمعة الأولى من رجب، ويؤدون الصلاة في المسجد اعتقاداً بأن ذلك يعدل حجة، أو كأنه حجة، أو حج.. فإني أقول: إن هذا اعتقاد باطل، لأن الحج له موعد زمني، ومكان محدد (الحج عرفة) وشعائر محددة لا يتم إلا بها.. واللهم اهدنا سواء السبيل.