كنت - وهي فعل ماضي ناقص، وصار بعد أن تأكدت مما سيأتي بعدها كاملاً ، فيما مضى من سنوات عمري، التي تخطت ربع قرن - أظن - وبعض الظن إثم - أن أصحاب الأقلام خلقوا للكمال الإنساني الممكن، ولكن اكتشفت أن الأمر عائد إلى نسبة احترام أصحاب الأقلام لأنفسهم ولأقلامهم. وإن كانت مهنة الكتابة هي «أكل عيش» بالنسبة للكثيرين فليكن هذا العيش نظيفاً وحلالاً أيضاً؛ لأني متأكدة أن تحويل القلم إلى «مقرع» أي عود يضرب به الدف عيب وحرام في شرع الإبداع. إن انتمائي إلى حزب ما أو مذهب ما لايعني أن أظل أطبل لهذا الحزب أو ذاك المذهب، وأفني سنوات عمري وحبر قلمي في خلق اتهامات وحياكة مكايدات للطرف الآخر وإثبات الوطنية لمن أريد ونفيها عمن أريد، وإلباس الحق كاملاً لطرف وخلعه عن طرف آخر، فالحق المطلق تولى منذ مات صاحب الوحي «عليه أفضل الصلاة والسلام»، وصار الأمر بعده يخضع لاعتبارات كثيرة فكان الاجتهاد والقياس وكانت المذاهب وصار الحق تبعاً لذلك أجزاء متفرقة بين أصحاب المذاهب والأحزاب، كل منا يرى الجهة المقابلة له من التلة، فمن قال إن الخضرة تكسوها كان صواباً، ومن قال إنها جرداء كان صواباً .. فلماذا التراشق بالأقلام والكلمات ؟ لماذا نهين من أقسم وبما خط به رب العرش ؟! إن الوطن بكل أحلامه وأوجاعه ملك للجميع الذين رحلوا عنه أو جاءوا إليه أو الذين يزالون في علم الغيب، هو ملك لطفل سيناديني يوماً ما «ماما»، وسأرضعه أنا حباً لهذا الوطن وانتماءً إليه كما سأرضعه استيعاب رؤى الآخر وأفكاره إيجابياته وسلبياته. وعندما يكبر قليلاً سأقول له بالحرف : «ياماما.. ياحبيبي.. نصف الحقيقة معك ونصفها مع من يعارضك فلا تحول قلمك إلى حمم وأفكارك إلى أصوات بغبغاء. وختام الختام.. شكراً لأنكم تجهصون !!