لا أحسب أن الأحداث الأمنية التي شهدتها اليمن أمر يعني اليمن وحده، غير أن ثمة خارطة استراتيجيات دولية وضعت اليمن في صدارة المستهدفين في المرحلة الحالية على أقل تقدير. فالإرهاب وإن كان يمثل صناعة مرتبطة بدول العالم الكبرى، إلاّ أنه أيضاً إحدى التقنيات العصرية ذات العلاقة بتحولات «العولمة»؛ وكم كان مثيراً أن أحد السياسيين اليمنيين كان أول من لفت أنظار العالم إلى أن «العنف» و«الأداة العسكرية» ستكون إحدى أدوات العولمة.. فما كتبه الأستاذ شائف الحسيني، الأمين العام للجنة العليا للانتخابات (الأخيرة) في كتابه (اليمن في عصر العولمة)، الصادر مطلع الألفية الثالثة كان يمثل أول إنذار يطلقه كاتب عربي، يحذر من أن الأعوام القادمة من القرن الواحد والعشرين سيسودها العنف.. وبالفعل اجتاحت الولاياتالمتحدةأفغانستان ثم العراق، وهاهي تدير حرب الصومال، وتقف على أعتاب السودان مهددة نظامه السياسي. فالعولمة في بعض مفاهيمها تمثل لعبة ارتهان اقتصادية كبرى، وبالتالي فإن للشرق الأوسط (العرب) مفتاحين أساسيين لاقتصادياته التي تمثل رقماً كبيراً ومهماً في الحسابات العالمية.. المفتاح الأول يمر عبر الخليج العربي، ومضيق «هرمز» الذي كان العراق صمام أمانه قبل حملة الغزو الدولية له التي كشفت ظهور دول المنطقة، ودفعتها إلى سياسات تطبيعية استسلامية. أما المفتاح الثاني فهو البحر الأحمر بمنفذه الجنوبي (باب المندب) الذي تتحكم به اليمن.. وكان تفجير المدمرة الأمريكية (كول) عام 2002م في المياه الدولية اليمنية بمثابة أول إشارة على أن حرب المنافذ البحرية التجارية الدولية قادمة لا محالة، إذ ان تنظيم القاعدة أدرك مبكراً أن أكبر خسارة يمكن أن يلحقها بالعالم هو بضرب ممراته التجارية الدولية، خاصة عندما يكون 56% من موارد الطاقة العالمية يمر عبرها كما هو الحال مع البحر العربي وباب المندب وانتهاء بقناة السويس. ما هو ملاحظ اليوم أن النظام العالمي الجديد المتطلع لرسم خارطة (شرق أوسطي جديد) ظل يرى في بعض الدول إشكالية معيقة لخططه، وفي مقدمتها اليمن التي مازالت تحتفظ بنظام سياسي يرفض التطبيع، ويتمسك بهوية عروبية إسلامية، يعتبرها الأمريكان إحدى عقبات العولمة، والتذويب الحضاري والثقافي للأمم في القالب الدولي الجديد. ومن هنا ينبغي الالتفات إلى أن العنف في الأعوام الأخيرة استهدف إحداث فراغ أمني في منطقة القرن الأفريقي، والبحر الأحمر بغية إيجاد مبررات تكثيف التواجد الدولي (العسكري) تحت ذريعة حماية ممرات الملاحة الدولية.. فالدول التي تشرف سواحلها على البحر الأحمر انضوت تحت إما سقيفة التطبيع أو الفتن، ولم يعد غير اليمن والسودان متمسكين بموأقف قومية نوعية، والسودان اليوم بين فكي المحكمة الجنائية الدولية، بينما اليمن تواجه خطر المد الإرهابي، وتواجه استفزازات يومية من قبل أرتيريا التي تعتبر الحليف المهم لإسرائيل بين دول البحر الأحمر، بينما على الضفة الأخرى تشتعل معارك الصومال وتدفع بآلاف المهاجرين غير الشرعيين صوب السواحل اليمنية لمضاعفة معاناتها الاقتصادية. على أنظمتنا أن تثق بأن الإرهاب لم يعد خلايا صغيرة يُحركها هذا التنظيم أو ذاك، بل هو جزء من أدوات دولية يحركها النظام العالمي الجديد بحسابات دقيقة لتسهم في وضع لمسات رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد، الذي (لن) يسمح لأي بلد في البقاء محتفظاً بقيمه العربية والإسلامية طالما هذه القيم تعد إحدى أهم عناصر وحدة الأمة، وتلاحم شعوبها، بل وتمثل هويتها الحضارية التي تستمد منها أسباب وجودها وديمومتها.