كم سمعنا قصصاً وحكايات مأساوية عن هروب المراهقات، إلا أننا لم نجد من يناقشها ويبحث أسبابها كظاهرة دخيلة على مجتمعنا ويطرح النماذج المكتشفة أمام الملأ حتى تؤخذ العبرة وتوأد الظاهرة عن بكرة أبيها لا أمها. إن هروب الفتيات يمثل مشكلة اجتماعية أكثر من أي شيء آخر، وذلك لأن الفتاة عندما تقرر الهروب من منزل العيلة تكون قد بدأت في رحلة البحث عن الحنان والعاطفة المفقودين في الجو الأسري في ظل وجود جدار فاصل اقامته العادات والتقاليد البالية بينها وبين والديها..فللأسف نجد أن الآباء منشغلون عن بناتهم لايمنحونهن الأمان والشعور بآدميتهن لا مجرد أنثى توصد من حولها كافة الأبواب ويبقى أمامها باب واحد وهو باب الهروب حيث تتلقفهن صديقات السوء اللاتي يزين لهن فكرة الرحيل عن الأسرة ناهيك عن سوء المعاملة القاسية التي قد تتعرض لها الفتاة وهي في سن المراهقة أو تأخر قطار الزواج الذي اصبح لا يمر إلا كل اربعين عاماً مرة في هذا الزمن.. الفتاة دائماً ضحية الأسرة وضحية مجتمعها فهي عندما تهرب من جحيم لاتدرك أنها سوف تنتقل إلى جحيم آخر يقودها إلى طريق الانحراف، فتهرب من المنزل إلى الشارع ومن الشارع إلى بيت قد يحطم لديها حلم الخلاص من الجحيم الأسري إلى بلاغ عن واقعة اغتصاب أو محضر ضبط في قضية آداب وينتهي بها المصير إلى الضياع.. الله يستر كنت أظن ونحن ننشر قصص هروب فتيات والنهاية المأساوية لكل حكاية والتي غالباً ماتنتهي بجريمة تقشعر لها الأبدان أن تلك القصص مفبركة من نسيج بنات أفكار أصحابها. إلا أني وجدت مانشر قطرة في بحر، وأعتقد أن البلاغات التي تتلقاها الداخلية عن الهاربات تفوق المئات، فإذا علمنا أن تعز لوحدها سجلت في ظرف شهرين ست حالات هروب فكيف ببقية المحافظات.؟ كثير هن الفتيات اللاتي لايجدن ملاذاً لما يعانين من ضغوط نفسية ومشاكل أسرية سوى الهروب إلى المجهول الذي دائماً مايهتك عرضاً ويلطخ سمعة الأسرة ليصل بها إلى الحضيض، الأمر الذي يجعلنا في مثل هكذا قضايا نكتم السر..فنادراً ماتطفو على السطح واحدة منها وسط إعلام لايرحم ومجتمع لايتسامح مع هروب الفتيات ويعتبر ذلك جريمة وانتقاصاً في شرف الأسرة. في تعز عشنا «11» يوماً قلقاً وهلعاً نترقب اليوم الذي تعود سوسن إلى أهلها بعد أن طالت الحكاية واختلف العلماء هو مصطلح اختفاء أم اختطاف إلا أن الجميع اتفق على أن كل الطرق تؤدي إلى روما. الكل ظل يغني على ليلاه وظلت أسرة الفتاة تتجرع الألم والحسرة ومازالت حتى بعد العثور عليها تتشوق إلى ضم ابنتهم إلى احضانها. عادت سوسن وهناك أكثر من سوسن في طريقها إلى روما..مادام في محافظتنا أكثر من أشواق وعاتكة يلعبن بعقول المراهقات ويضعنها تحت تأثير فكرة الهروب وهو مايجعلنا ندق ناقوس الخطر مبكراً حتى لاتصبح تلك الظاهرة مع وجود صديقات السوء سمة من سمات المجتمع اليمني.