برهنت التجارب أن المناخ السياسي الساخن بين الأحزاب يعني الشيء نفسه في المؤسسات، والشوارع، والجامعات، وحتى البيوت.. ذلك لأن فهمنا للسياسة والانتماء الحزبي لايختلف بشيء عن فهمنا للعصبية القبلية. مازالت نخب السياسة والفكر والثقافة والعمل المدني في اليمن تلعن «التطرف» صباح مساء بغير ككل أو ملل حتى يظن المرء أن الحديث عن جماعات متطرفة في اليمن ليس إلا ضرباً من الدعاية المغرضة الرامية إلى تشويه سمعة الوطن.. غير أن أحداً لايعلم أن هذه النخب تلعن التطرف باللسان، وتمارسه عملاً على مدار ساعات اليوم، وما أكثر أولئك الذين لا يؤمنون إلا بأنفسهم، وآرائهم، وماسواهم إلى الجحيم!! خلال اليومين الماضيين شهدت عدة جامعات حكومية اشتباكات دامية بين لجان الاستقبال التابعة للاتحادات الطلابية، ولم يكن من سبب لذلك سوى العصبية الحزبية العمياء التي تبيح شتم الآخر، وتخوينه، وتجريمه، وإلغاء حقه في ممارسة نفس النشاط الذي يمارسه الآخرون. ونتيجة لتلك العصبية الحزبية سقط بعض شبابنا مضرجين بدمائهم، وأودع بعض آخر منهم الحجز، وساد قلق في الجامعات، وفي البيوت، من غير أن يجني أحد ثمر تلك الممارسات التي تترجم أنموذجاً مصغراً للتعبئة المتطرفة التي تتعاطى بها الحزبية والعمل الديمقراطي.. وتمثل أيضاً «وساخة» اللعبة السياسية التي تلعبها بعض القوى، وتبيح لها نقل العدوى حتى إلى الحرم الجامعي بين شبابنا الذين مازالوا صفحات بيضاء نظيفة، نتطلع إلى ملء سطورها بالعلم والمعرفة والأفكار النيرة، وليس الضغينة والأحقاد والمناكفات. قبل أسبوعين تقريباً تراءت لي مظاهر عدوى العصبية الحزبية وهي تزحف نحو الجامعات اشتياقاً لمرحلة فتح باب التسجيل.. وكتبت في نفس هذا العمود عن جدوى تحزيب الاتحادات الطلابية.. واليوم أجدد الدعوة لكل القوى الحزبية والأكاديمية والثقافية والمدنية، والطلابية أيضاً لإعادة النظر فيما هو معمول به لدى الحركة الشبابية الطلابية من سياسة تفتيت للحمة الحركة الطلابية، وتشتيت لطاقاتها الإبداعية الخلاقة، وتهميش لما يمكن أن تقوم به من دور في المجتمع. فالاتحادات الطلابية أنشئت لتمثيل الطلاب أنفسهم، والدفاع عن حقوقهم، وإيصال صوتهم إلى صناع القرار، بالإضافة إلى احتضان أنشطتهم الإبداعية، وتقديم المساعدة الممكنة لهم.. أما ماهو ماثل أمامنا اليوم في مختلف جامعات الجمهورية فهي واجهات دعائية لأحزابها ليس أكثر أو أقل.. بل وتحول أداؤها إلى جزء متأصل في الحراك السياسي الحزبي، يتحرك مع بقية القواعد بنفس الأسلوب، وبذات الآلية.. فكيف سولت الأحزاب لنفسها استغلال القطاع الطلابي الجامعي على هذا النحو!؟ ومن المستفيد من إعاقة بناء حركة شبابية طلابية واعية وفاعلة على مختلف المستويات!؟ ولماذا لاتبادر القوى الوطنية الشريفة والواعية الموجودة في مختلف الأحزاب اليمنية إلى طرح مبادرة توحيد الاتحادات الطلابية، وتحييدها من أي عمل حزبي طالما هي تحت مظلة الحرم الجامعي؟ وعدم الوقوف عند هذا الحد بل تسخير كل الإمكانيات المتاحة للكيان الطلابي الموحد ليتحول إلى نفوذ حقيقي في الوسط الشبابي، يسهم في الارتقاء بمستوى التعليم الجامعي؟ وتقويم أي ممارسات خاطئة فيه.. فأبناؤنا أمانة في أعناقنا فلنتحمل مسئوليتهم طالما ونحن نمثل الجيل صانع القرار.