يقولون في المأثور الشعبي اليمني: (افتح بابك واشتهر أو غلّقه واستتر)، فليس الكرم في دعوة ضيف إلى بيتك، وإنما في أن تجود عليه بأفضل ما عندك.. فيا ترى هل سبق لأحد بوزارة السياحة أن سمع بهذا المثل!؟. مازلنا ننزف الدموع على سياحتنا المغدورة بالإرهاب، لكن ما بالنا لانذرف دمعة واحدة على غدرنا نحن أبناء الوطن بالسياحة!؟ فإذا كان الإرهاب قدراً مكتوباً على اليمن أن تخسر بعض طموحها السياحي جراءه، فإن القسم الأكبر من ذلك الطموح نخسره بمحض إرادتنا، وتحت مظلات شعاراتنا الوطنية، التي لم نجرؤ على تمثيلها على أرض الواقع ولو بأقل من نصف حدها الأدنى. ففي الآونة الأخيرة كثر حديث مسئولي السياحة عن (السياحة الداخلية)، وخطط تنشيطها، وبرامج التوعية بها، وتطلعات الدولة بأن تتحول إلى قاعدة الرهان على إنعاش السياحة الخارجية الوافدة.. وتحدث البعض بعبارات رائعة عن أهمية السياحة الداخلية في تعزيز الانتماء الوطني، وربط الإنسان اليمني بالأرض والبيئة بعلاقة حب وجدانية، واعتزاز بما حبا الله به اليمن من طبيعة، ومعالم آثرية وحضارية، وأصالة تاريخية. أمس قررت أن أنضم إلى ركب المشجعين للسياحة الداخلية، رغم علمي المسبق بأن الغالبية العظمى من مسئولي الدولة يتمتعون هذه الأيام بأيام سياحية باهرة في عواصم أوروبا وبعض العواصم العربية، بعد أن ظننت أنهم سيصطافون على سواحل اليمن، ليؤكدوا للعالم أجمع ما تتمتع به اليمن من أمن وسلام.. فيكون ذلك رداً قاصماً لظهر الإرهاب..! اصطحبت أسرتي وأسرة طبيب حديث الوصول لليمن إلى (شلالات بني مطر)، لينعموا بسحر الطبيعة الخلابة، وليعيشوا ساعات من الدهشة بعيداً عن ضجيج المدن وأدخنتها.. وليتني لم أفعل!! فهذا المكان الفسيح جداً الذي تعلم وزارة السياحة أن زواره بالآلاف يومياً لا يوجد فيه برميل قمامة واحد، ولو من بقايا براميل الأصباغ التي يرميها أصحابها.. حيث وإن ضيوف هذا المكان معظمهم من العوائل القادمة من مناطق بعيدة، وتصطحب أطعمتها معها، و«حفاظات» احتياطية لأطفالها، لذلك أصبح مجرى المياه مستودعاً للنفايات سواء التي ترمى بالعمد أو التي تهوي بها الرياح إلى أسفل المجرى. ومع انخفاض منسوب المياه وارتفاع منسوب النفايات لم يعد في المكان أي مياه نقية على الإطلاق.. وحرم الزائرون من متعة غطس أقدامهم في المياه التي جاءوا لأجلها أيضاً.. وطالما غابت البراميل فلا أحد يتوقع وجود كشك أو مظلات للاحتماء من المطر، أو أي شيء يوحي بأن ثمة أيدي بشرية تدخلت في المكان لتضفي عليه لمسات جاذبة ومشجعة للسياحة الداخلية. لكن ما لفت انتباهي حقاً هو سد مائي عظيم وجميل في بنائه يسمح بالعبور من فوقه.. إلاَّ أن هناك مسافة مترين فقط تفصل بداية السد عن الشارع المزفلت لم يتم تسويتها وامتلأت بالصخور الكبيرة التي يتعثر بها كل من حاول المرور فوق السد.. تساءلت مع نفسي: هل عجزت الجهات الحكومية عن رصف هذين المترين أو بنائهما على هيئة سلم أو حتى تنظيم هذه الصخور تأميناً لسلامة الناس...!؟. اقترح صاحبي أن نبادر ونحاول إعادة رصف الصخور طالما والحكومة لم تكمل جميلها.. لكنني وعدته بأن أعلن عن تبرعي ببراميل قمامة ما دامت وزارة السياحة لا تمتلك الإمكانيات المادية لشرائها.. ولكن أتمنى أولاً أن تعدنا الجهات الرسمية بأنها ستكلف سيارة جمع القمامة بالمرور إلى المكان يومياً لإفراغها.. وإلاَّ فإنها ستتحول إلى بؤس أعظم.. فيا ترى هل تجرؤ الجهات الرسمية على إطلاق هذا الوعد لننقذ واحداً من ملاذات قليلة جداً يؤمها الناس للسياحة الداخلية..!.