ضاقت بالناس سبل العيش..فلم يكن بد للبعض أن يتركوا أوطانهم إلى البلاد المجاورة أو إلى أي بلد يتسع صدرها لهم، وهم في سبيل ذلك يجدون الضنك ويتحملون المشاق، وعندما لايستطيعون الحصول على تأشيرة دخول، فإنهم يجدون من يسهل لهم طريق الوصول إلى بلد مجاور أو إلى أي بلد تبعد كثيراً أو قليلاً عن أوطانهم على أمل أن يجدوا فرصة عمل تسمح لهم أن يعولوا أنفسهم ومن يعولونهم. فإذا ماتيسر لهم الدخول.. فإنهم يمضون أياماً وليالي يرتجفون من الخوف تحسباً لمخاطر القبض عليهم من أفراد الشرطة أو أن يبلغ عنهم أحد من المواطنين، فالويل لهم من المصير الذي ينتظرهم إن ألقي القبض عليهم ليلاً أو نهاراً، صباحاً أو مساءً، في المسجد أو المطعم أو الشارع، لم يعد بعد القبض عليهم من قيمة للتوسل ولا للدعاء ولا حتى التشبث بأستار الكعبة.. قضي الأمر الذي كانوا يخافونه وترتعد فرائصهم من مجرد أن يتخيلوا حدوثه، وقد يجد بعض الذين يأتون من أقصى الأرض من مانيلا أو بانكوك أو غيرهما من بلاد الشرق من يلتمس لهم العذر ويتسامح معهم بأن الفقر والحاجة وقلة مافي اليد وقسوة الحياة وظروف المعيشة هي التي دفعتهم لمغادرة أوطانهم بحثاً عن الرزق الحلال في أي بقعة من بقاع الأرض..وليس من غير المألوف أن تلين قلوب العرب في الجزيرة والخليج لأمثال هؤلاء الآسيويين يحتسبون ذلك عند الله وتحقيقاً أيضاً لبعض حاجاتهم وتلبية لأغراضهم في الحصول على عمالة سهلة رخيصة، وبالرغم من أنه لايوجد أرخص من العرب في سوق العمل والكرامة والحقوق إلاَّ أنه في حالة اكتشافهم مثل غيرهم من سكان الكرة الأرضية من الذين ضاقت بهم بلدانهم..فالويل كل الويل للعزي إذا سولت له نفسه أن يتسلل إلى بلد مجاور..ماالذي جاء بك إلى هنا؟ وكيف دخلت وثكلتك أمك.. لماذا أنت مهلهل الثياب، حافي القدم شاحب الوجه مصفر العيون؟؟ يقول لهم أنا هكذا بسبب الفقر وبسبب الخوف منكم.. القليلون هم الذين يرفقون به.. أما الكثرة من هؤلاء الموكل إليهم متابعة الجياع المتسللين.. فكأن لسان حالهم يقول لمن يمسكون بهم: «لانجونا إن نجوتم» فلا تسأل بعد ذلك عن مصير الكثيرين من الذين يغامرون في ترك أوطانهم بحجة البحث عن فرص عمل في الدول المجاورة . بالطبع هذا التعبير «لا نجونا إن نجيتم» ليس بالضرورة أن يحمل على اللفظ وإنما يحمل على المعنى، بحيث يكون القصد من إيراده هو التصميم على عدم العفو أو التسامح فتكون النتيجة إما السجن أو الترحيل الفوري وكل منهما أشد مرارة من الآخر على أن هذا المقال لانقصد منه أن نحمل الآخرين أوزار مايقومون به من إجراءات يعتبرونها أمنية، تنفيذاً للقوانين واللوائح والأنظمة في بلدانهم.. وإنما الذي نقصد من كتابة هكذا مقال هو أننا مسئولون عن كل المعاناة التي نلقاها عندما نرتكب أخطاء فادحة تمس سلامتنا الشخصية وتمس سمعتنا وسمعة بلادنا.. فماذا نريد من الهجرة إذا لم نكن مستعدين لها بإعداد أنفسنا ونؤهلها تأهيلاً يجعل الآخرين في البلاد المجاورة يبحثون عنا قبل أن نبحث عنهم؟! نحن نعلم أن مدارسنا ومعاهدنا أو حتى جامعاتنا لاتؤهلنا لسوق العمل على مستوى الداخل أو الخارج.. فلماذا لايتوجه الشباب في اتجاه تأهيل أنفسهم تأهيلاً تقنياً وحرفياً؟ ولماذا لانرتقي بعقولنا في اتجاه الإبداع، بحيث تجد المؤسسات والشركات أنها تستطيع الاستفادة من هذه العقول المبدعة على مستوى اليمن وخارجها..إنه لمن المضحك..بل من المخجل ألا يجد شبابنا طريقاً لتأهيل أنفسهم وإعدادها للحياة سوى أن يتعلموا سواقة الدراجات النارية وحافلات الركاب، فكم ستتحمل البلاد من هذه الأعداد التي تتكاثر بنفس معدل تكاثر السكان في بلادنا؟