الانتخابات الأمريكية، وحديث يتكرر في كل فترة انتخابية، ويعلن من خلال هذا الحديث الممجوج والعقيم، حالة طوارئ على شاشات عدد من القنوات الفاضية «معذرة الفضائية» لتعقد جلسات ولقاءات تحليل وعقد مقارنات بين المرشحين، وكأن المرشح يملك سر التغيير في السياسات أو الاستراتيجيات وفق هواه، وكأن المرشح يملك حق إدارة الدفة للإدارة الأمريكية على النحو الذي يريد، وإلى الوجهة التي يراها، بعيداً عن المؤسسات وبعيداً عن خطوط حمراء، واتجاهات ممنوع الاقتراب منها مع السماح بأخذ صور لها، أو التصوير فيها لأغراض تخدم المصالح الأمريكية وأغراضها الاقتصادية والاستراتيجية. يأتي المحللون بالمفهوم الشرعي ليسرفوا في تحليلاتهم، ونراهم يمثلون باقتدار؛ ليقنعوا المشاهد أنهم قد غاصوا إلى أعماق البحار والمحيطات، وفتشوا الشعاب المرجانية، عن الكنوز المعلوماتية وخرجوا بها على حين غرة أو بجهود استثنائية. في حين أن التاريخ البعيد والقريب، والمعاصر والمجريات الراهنة جميعها تؤكد أن في الولاياتالمتحدة قد تربع على عرش البيت الأسود عدد كبير من الرؤساء من الحزبين الكبيرين المتنافسين «الحمار والفيل» ولكنها جميعها لم تقل إن رئيساً واحداً تجرأ في أحلامه وليس في يقظته على تجاوز الخطوط الحمراء، أو التفكير مجرد التفكير في المضي في اتجاه لا يتناغم بأي حد أو مقدار مع الاستراتيجية الصهيو- -أمريكية التي تستبيح العالم ولا تبالي ولكنها تجرم وتقتلع من يفكر في إحداث تحول يؤثر بأي قدر أو مستوى على كيانها المزروع بفلسطين العربية؛ والتأثير على مصالحها الاقتصادية المتصلة بالنفط وحركة التجارة، وكذا إحداث أي خرق مهما كان صغيراً في الميزان الاستراتيجي الذي فيه بالمطلق كفة أمريكا مرجحة على الدوام، ولو كان ذلك على حساب حريات الشعوب، أو حقهم في العيش الكريم، أو حقهم في اختيار النظام والعقيدة السياسية أو الفكرية أو الدينية أو الفلسفية التي يرتضونها.. كل هذه خيارات لا يجوز الاقتراب منها لأحد، ولا يجوز التمادي في التفكير بها ما لم يكن ذلك من خلال «البيت الأسود» وعبر الأجهزة المعروفة عالمياً بحبها للسلام «الدمار» وإحداث ألف ألف ألف خرق في سفنهم التي لن يحتويها بحر برفق وحنان باعتبارهم معاقين بفعل خرق السفينة، وليس بفعل كونهم بشراً، ينتمون إلى الإنسانية التي يستوي فيها كل البشر بمختلف ألوانهم وألسنتهم. إن الأجهزة الأمريكية تعمل بشتى السبل لتجرد المجند لها من كل قيمة تهز مشاعره وتعيد إليه توازنه في أية لحظة، وتدفعه إلى التفكير بعمق وبعد إنساني حتى لو كان ذلك في الحد الأدنى.. ولكنها تطلق العنان لذيولها بالحديث المطلوب والمسهب عن الحقوق والحريات، والمساواة والديمقراطية والتعددية، وحق الشعوب في خياراتها.. وغير ذلك من المصطلحات التي أصابت العالم بالدوار، وجعلته يتقيأ على نحو دائم، وبحيث صار الغثيان حالة دائمة لأن المصطلحات الأمريكية صارت عند المهيمنين على القرار ووسائل الإعلام ووسائط التثقيف كالماء، والهواء.. بل إن بعضهم يسبّح بحمد أمريكا، ولا يتذكر في الوقت ذاته أن عليه أن يسبح بحمد ربّه ويشكر له... هذه الحالة من الإدمان لا علاج لها على الإطلاق إلا القذف بمن أصيب بها إلى الزبالة حين لا تجد منه الأجهزة الأمريكية أي قناعة أنه لم يعد قادراً على الإسهام في إشاعة حالة الدوار والغثيان لمن يخالط ويعيش في أوساطهم.. ولعل ما حدث بباكستان ويحدث لبعض الزعامات العربية وغيرها خير شاهد ودليل. إذن، فالتحولات الاستراتيجية لا يصنعها رئيس في الولاياتالمتحدة ولا يمكن لأي رئيس أن يصنعها، لأن هذه الولايات تخضع لإدارة مؤسسية يهمن عليها أساطين الصهيونية والمهووسون بالسيطرة على المال، ومن يرد أن يعرف أو يتعرف على الصنّاع الحقيقيين للتحولات فليقرأ الكتابات الاستراتيجية والسياسية المنصفة التي أوضحت حقيقة الإدارة الأمريكية، وحقيقة صناعة القرار، والحقيقة التي تقف وراء الانتخابات، ومن ثم نقول للذين غرقوا في البحر الصهيو - أمريكي، وصار العوم في غثائه :هنيئاً لكم ما أنتم فيه، واتركونا وشأننا، وليكن حالنا كيفما يكون، ولتكن الانتهاكات كيفما تكون، ولتكن الاعتداءات على حقوق الإنسان كيفما تكون، واتركونا نعيش بالطريقة التي تناسب تخلفنا، وتنسجم وتكويننا الانعزالي، ونتناغم وطبيعة الخضوع للديكتاتوريات أو الاستبداد، أو التسلط أو أو... وعليكم أن تثقوا جيداً أن الحال الذي سنكون عليه وفيه، سيكون أحسن وأفضل وأجمل من كل الشعارات المزيفة، والتضليل الذي يغيب العقل، ويوقظ الأحلام، لتأتي الإفاقة على أنهار من دماء، وبرك من جيف ومقابر جماعية، وجسد يتمزق... وأحلام تتبخر على هذه اللوحة وفي فضاءاتها التي تمطر عذاباً، وحزناً وخسارة دائمة، وعلينا أن نأخذ العبرة من حال العراق الذي كذبوا كثيراً أنه «العراق الحر» وهو كذلك ولكنه تحرر من السيادة والقرار المستقل والوحدة الوطنية، والهوية القومية، والانتماء العربي الإسلامي، وتفلّت في بحر من طين لم يستطع إلى اللحظة النفاذ إلى شاطئ من الأمل للوصول إلى شاطئ الأمان وبالمثل هو حال أفغانستان ويتبع في الطريق باكستان، والطابور طويل في الوطن العربي وآسيا على نحو خاص. أليست هذه الحقائق التي نعيشها، وحقائق التاريخ في اليابان وجريمة «هيروشيما وناجازاكي» وجرائم «البيت الأسود» في فيتنام وجرائمه في أمريكا اللاتينية، وجرائمه في فلسطين، ولبنان، وفي محاولاته الإجرامية المعلنة في سوريا، وجرائمه الواضحة في السودان وجرائم هذه الإدارة، بل الإدارات المتعاقبة في تجويع العالم، والسعي المحموم لإذلاله، ولعل في واقع ألمانيا التي تجثم على أراضيها قواعد أمريكية، وبالمثل في اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين وغيرها كثير أمثلة حية على الشبق الذي تتشبع به الاستراتيجية الصهيو - أمريكية التي تحكم الأرض الأمريكية ومن خلالها السعي إلى إحكام قبضتها على العالم، وبما لا يدع مجالاً لأي حديث عن فروق بين الفيل والحمار على الرغم من الفروق الواضحة في الشكل، ولكنها في المحتوى والمضامين تتطابق رغم الشكل الخارجي المختلف. وفي الختام نقول للذين يدندنون ويطنطنون على أوتار أمريكية :انعموا بهذه الطنطنة ولكن بعيداً عن أجوائنا، وبعيداً عن قناعتنا وبعيداً عن هويتنا العربية والإسلامية التي لن تنهار ولن تتفكك ولن تزول مهما اعتقدتم ذلك واستبشرتم بحدوثها من خلال المؤشرات الراهنة التي تخرج من ضعف أنظمة، وليس من ضعف أمة، وهزيمة أنظمة وليس من هزيمة أمة ، وعليكم أن تتحسبوا لخروج المارد ثانية، وعندها سترون الأمور على حقيقتها .. والله من وراء القصد.