حلمهم وكوابيسناكل أربع سنوات يختار الأمريكيون حلمهم الذي لن يبلغوه أبدًا، بينما نختار كوابيس نعرفها جيدًا، ولا نعرف متى ترحل. لن يرى الأمريكيون جديدًا، مثلما يستعصي ليلنا على الإصباح. لكن ذلك لا يعني تطابق الحالتين. الأمريكيون لديهم على الأقل كفاف يومهم من الخبز والأمان والصحة والسعادة، وليس لدينا شيء من هذا. ولديهم بالتأكيد هذا المهرجان الاجتماعي الذي يسليهم على مدار عام كامل من أعوام الرئاسة الأربعة، ولم يفت أوباما في خطاب النصر تذكير الأمريكيين بهذه النعمة نعمة الاقتراع بحرية بعكس شعوب تناضل من أجل هذا الحق. أوباما، الذي يتيه على بلاد الربيع العربي، يعرف أن أمريكا التي لا تتغير استطاعت تحت قيادته توجيه مسار الربيع العربي لتسقط ثماره الناضجة في حجر الإسلاميين، كي يستأنف الكابوس العربي حياته في قوة أحادية أخرى كافرة بالمشاركة والتعدد شأنها شأن العسكر الذين نفضت أمريكا يديها منهم لا لسبب إلا لأنهم لم يعودوا ملائمين للمرحلة الجديدة. مهرجان الثورة التونسية والثورة المصرية لم يستهلك العام الذي تستهلكه انتخابات الرئاسة الأمريكية، وانقلب مقترح أوباما بتعليم الأمريكيين كيفيه العيش كالشباب المصري إلى تعليم المصريين الندم على زمن حسني مبارك. وها هو مهرجان الدم السوري يبلغ ضعف عمر الكرنفال الانتخابي الأمريكي، مع إصرار على استمراره حتى لا يتبقى من مدنية ثورة سورية شيء يجبر أوباما على نصح الأمريكيين العظماء بمحاكاة شعب عربي آخر. صودرت الثورة الباسمة في مصر، ودُفنت الثورة المغنية في سورية تحت الأنقاض، وجمدت ثورة اليمن، وصار من حق الرئيس الأمريكي المنتظر أن ينطق اسم بلاده من بلعومه 'يونايتد ستيتس أوف أميركا' ومن حق ابنتيه أن تعودا إلى التركيز على الدراسة ومن حق ميشيل أن تعود أمًا، بعد أن استهلكهن عام الاستعراض الضروري؛ فلا نجاح لأوباما من دون مظهر الأسرة السعيدة. المؤسسات السيادية الأمريكية مستقرة بما يكفي للحفاظ على ثوابتها الخارجية، والمؤسسات المالية مستقرة بما يكفي لإدامة مكاسب الطبقة المسيطرة، والرئيس يتغير كل أربع أو ثماني سنوات لإيهام الأمريكيين بأن شيئًا ما يتغير، بينما يقترب منصب الرئيس من مناصب الملوك في الملكيات الدستورية التي حولت الملك والملكة إلى مجرد تراث، وصورة لتاريخ مشترك لمجموعة من البشر. وهم التغيير في أمريكا يلقي بكل عبئه على 'صورة الرئيس' وهذه الحقيقة يفضحها المفكرون، ونادرًا ما تجد منفذًا إلى وسائل الإعلام الأكثر انتشارًا بين الغالبية المستنيمة للحلم. تتكرر في الحملات الانتخابية وعلى لسان المرشحين المتنافسين كلمات: 'التحدي'، 'المستقبل'، 'الأمة الأمريكية' وكل ثلاث سنوات تكتشف الأمة الأمريكية أنها في خطر وأن مستقبلها بحاجة إلى رجل قادر على التحدي! من أجمل ما رأيت خلال مهرجان نجاح أوباما الفيلم الوثائقي 'رؤساء أمريكا' الذي عرضته قناة العربية. فيلم عميق، يدور في شكل حوار بين خبير دعاية وسيدة يقنعها بقدرته على جعلها رئيسة لأمريكا. ينصحها بالطريقة التي يجب أن تتصرف بها بناء على خبرات نجاح كل الرؤساء الأمريكيين، حيث لم ينجح أحدهم بناء على قدراته الخاصة، بل على قدرات صيادي المشاعر من خبراء الدعاية الذين يتولون صناعة صورة الرئيس، وخلق هيبة الجسد الرئاسي العملاق من جسد طبيعي قد يكون معطوبًا. الخطوط الأساسية في الصورة استطاعت أغنية حملة كينيدي أن تلتقطها 'ناضج بما يكفي ليكون حكيمًا، قوي بما يكفي ليفعل'. قد ترجح الحاجة إلى الحكمة في مواقف، وقد ترجح القوة في مواقف أخرى، وعلى الرئيس أن يُمثل القيمة المطلوبة من الجمهور في تلك اللحظة. 'أرني دموعك يا دونا' يقول الخبير في الفيلم، فتسأله: هل تسخر مني؟ ويجيبها لا، ولكنني يجب أن أتأكد من قدرتك على التعاطف. ربما لن تحتاجي إلى البكاء لأنه يُعتبر علامة ضعف لدى المرأة. الخبير يريدها جاهزة على أية حال لمواجهة موقف يتطلب البكاء، ونرى دموع الرسم المتحرك دونا، وتتبعها الدموع الحقيقية لأوباما. نفهم من الفيلم دون أن يقول، لماذا يتحرك أوباما محتضنًا أسرته أكثر من أي رئيس آخر. لا يحتاج الرجل الأسود إلى تأكيد قيمة القوة، بل الحنان. هذا ما ينقص الرجل الأسود في المخيلة الأمريكية، بينما احتاج كينيدي الأبيض ابن العائلة إلى قيمة القوة، وهكذا تم تسريب قصة عن بطولته في الحرب ضد اليابان عندما جر بأسنانه جريحًا في البحر ووصل به إلى الشاطيء. الجسد الطبيعي يتم استعراضه بإفراط، عندما يكون جميلاً وقويًا وقادرًا على حمل الجسد الرئاسي كما في حالة بيل كلينتون، بينما تتم فبركة صور القوة لجسد روزفلت المصاب بالشلل، أو يختفي هذا الجسد الشخصي عندما يكون عليلاً حتى لا يشكل عبئًا على الجسد الرئاسي، كما في حالة نيكسون الذي لم يكثر من صور الحركة ولم يظهر منه حتى فضيحة ووترجيت سوى جسده الرئاسي. الصورة، هي كل ما لدى المرشح الأمريكي. ونجاح راعي بقر ضحل مثل ريجان أو غبي مثل بوش الابن يجعل من حلم الرئاسة حلمًا مشروعًا لأي مواطن أمريكي، مثل حلمه بالرخاء الذي لا يأتي أبدًا. وعلى الرغم من وضوح اللعبة إلى هذا الحد، فإنها تواصل تجددها كل انتخابات، لأن هدف إنقاذ الأمة الأمريكية يستحق التغابي. والسؤال الذي لم يطرحه الفيلم بشأن دورتي نجاح أوباما يتعلق بحسابات الحزبين المتنافسين: هل قصد الجمهوريون الخسارة في انتخابات 2008 عندما رشحوا جون ماكين في مواجهة أوباما لمعرفتهم بأن صورة 'الأمة الأمريكية' المتدهورة لن ينقذها إلا رئيس ديمقراطي؟ وهل للسبب نفسه توافق الديمقراطيون على مرشح مختلف، بحيث كان اختيارهم بين امرأة وأسود؟ وهل اختار الجمهوريون رومني للمعركة الأخيرة لتكرار الهزيمة أم كانوا يراهنون على استعادة الحكم بوضع غرابة كنيسة مرشحهم في مواجهة مع غرابة أصول أوباما؟