ما حدث ويحدث في ذلك السجن الرهيب، وذلك المعتقل البشع الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً.. والحقيقة التي كشفها هذا السجن هي تلك الحقيقة التي سبق وأن ظهرت بجلاء في سجن «أبو غريب».. وهي حقيقة سعت وتسعى الإدارات الأمريكية إلى إخفائها، وارتداء أقنعة بشعارات كثيرة أبرزها وأهمها ما يتم تداوله بسذاجة وبرؤية مستلبة بالثناء والاكبار وهي: الديمقراطية الحرية حقوق الإنسان والديمقراطية التي يروج ويطبل لها الكثيرون من الذين افتقدوا البوصلة الإنسانية، ومفاعيل الإرادة الحرة، هي تلك التي تقر بالتعددية والتداول السلمي للسلطة، بالاحتكام إلى صناديق الانتخابات، ومن ثم الاحتكام إلى سلطة المؤسسات. والحرية التي يغني لها المغنون على المسرح الأمريكي بوعي أو استلاب هي حرية الاختيار، حرية المعتقد، حرية يرسمها الناس ويحددون معانيها، ويمارسون مضامينها بقناعة تامة واختيار بإرادة حرة لا تقبل الإملاءات والانقلاب عليها بفعل القهر والقوة والتسلط. وحقوق الإنسان التي أقلقت الإدارات الأمريكية بها مضامين وأبعاد هي تلك التي تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا اعتدي على إنسان وانتهكت حقوقه السياسية أو الثقافية، أو التعددية، أو المدنية بمفهومها المعاصر أو .. أو... أو.. إلخ. ومن الشعارات أيضاً، الانتصار لدولة النظام والقانون، والعدالة، والتعايش، والسلام، وغير ذلك من المصطلحات التي عشقتها كثيراً، وعشت حياتي لأجلها، ولكنني أعلن البراءة منها وهي ترفع تحت الراية الأمريكية. تلك هي الشعارات، فماذا كشف سجن العصر، ومعتقل الحرية وزنازين الفكر، وقضبان القتل للعدالة وتدمير الإنسان وحقوقه وخياراته. ما كشفه سجن جوانتانامو يندى له الجبين، وتنكره كل الأعراف والشرائع، حتى شريعة الغاب.. نعم، لقد كشف هذا السجن أن الديمقراطية أكذوبة العصر وإيقاع لكل جرائمه في أكثر بقاع العالم، حيث كان وما يزال للإدارات الأمريكية فصول الفتك وقتل الإنسان.. وأحدث تلك الفصول ماحدث ويحدث في غزة، فحركة حماس كانت خياراً ديمقراطياً، جاء عبر صناديق الاقتراع، وانتجته انتخابات حرة ونزيهة، شهد لها العالم بأسره بما فيه الإدارة الأمريكية في حينه إلا أن ذلك كله لم يكن يعني شيئاً بحساب هذه الإدارة، التي رفضت التعاون والتعامل ودعمت الكيان الصهيوني من جانب، والطرف الفلسطيني الخصم لهذه الحركة، وأوصلت الأمور إلى ما هي عليه من انقسام ودماء طاهرة تسفك، وأرواح طاهرة تزهق، وأرض طيبة تجرف وتحرق، لا لشيء إلا لأنها اختارت طريقاً لا يفضي بالولاء والانتماء إلى البيت الأسود بواشنطن، مثلهم مثل أولئك الذين احتوتهم زنازين ذلك السجن الرهيب لأنهم لم يقبلوا أن يسبّحوا بحمد ذلك البيت وكانت خياراتهم مختلفة تماماً. كما كشف هذا السجن أن الحرية وهم إذا أفضت إلى خيارات وإرادات تتناقض وتتعارض مع إملاءات الإدارة الأكثر دكتاتورية في التاريخ والعالم المعاصر، كما كشف أن الحرية وحقوق الإنسان لا تعنيان شيئاً في موازين الإدارة الأمريكية، وفق سياساتها واستراتيجياتها التي تنطلق من واحدية الإرادة التي لاينبغي أن تتكرر أو تُنسخ أو تستعمل خارج الفلك الصهيو - أمريكي. ولعل المتابع لحلقات السجين «سامي الحاج» يدرك جيداً تلك الحقيقة المُرّة، البشعة، الآثمه، المجرمة بحق الشرائع والقوانين، وبحق الإنسانية أولاً وأخيراً، فكيف تجرؤ أجهزة الإعلام على الاستمرار بالحديث عن ديمقراطية، وحرية، وعدالة، وحقوق الإنسان، ولا تستحي من تلك الصور والمشاهد، والشواهد على كل ماهو بشع وبهيمي وبربري إجرامي من ممارسات الإدارات الأمريكية ضد سجناء لا حول لهم ولا قوة، إلا إرادة حرة، وخيارات آمنوا بها، وحقوق اعتقدوا يقيناً بها وبصوابها. إن المفترض من كل من يدّعي وصلاً بتلك الشعارات أن يعمل بكل ما يمتلك من وسائل وإمكانيات وأدوات على حشد كل شرفاء العالم، ليمارسوا ضغوطاً لا تنفك على ذلك «البيت» الذي لم يتوقف من نشر دخان حرائقه في كل أرض، وبث الفتن كقطع الليل المظلم، تفعل أفعالها الآثمة في كل أرض تستهدفها، فهي كذلك في العراقوأفغانستان وفلسطين وفي غيرها.. لا أن تستمر الأبواق تسبّح بحمد ذلك البيت الآثم، وتستمر في التضليل والتزوير للحقائق ووعي الجماهير بالحقائق من جهة أخرى والجرائم من جهة أخرى. إن ما مورس ويمارس في ذلك السجن، من انتهاكات فاضحة يدل دلالات قطعية على الوجه البشع للإدارات الأمريكية، وعلى حقيقة الاستبداد، والطغيان، والتعطش للدماء والقتل، إذلالاً لكل من يسعى إلى امتلاك إرادة حرة، ورأي حر، وخيار حر يناهض الظلم ويعادي الطغيان، وينتصر للحرية الحقة، والديمقراطية البريئة من كل آثام الصهيو - أمريكية، والحقوق الإنسانية المنسجمة مع إكرام الإنسان وتكريم خياراته التي لا تعتدي على الغير ولا تسفّه قيمه ومعتقداته ومثله العليا.. ومن يمتلك رداً على آثام ذلك السجن وجرائمه، كآثام إدارة، وسياسة نظام، واستراتيجية مؤسسات، فليقل لنا، ماذا فعل بهم كتاب الله ليدوسه الأنجاس ويرمونه في دورات المياه ويدنسونه؟ ثم ماذا فعلت بهم «العفة» ليغتالوها في السجناء عبر مومسات ومنحرفين وشواذ؟ ثم ماذا .. وماذا .. وماذا ، التي أتحرج من ذكرها لقباحتها، ولتنافيها مع كل قيم وتقاليد عرفها الإنسان، سواء جاءت من الله سبحانه وتعالى أم وضعها فلاسفة ومصلحون ومفكرون في فترات من التاريخ الإنساني، وحملت مسميات وعناوين كثيرة، ومتعددة، لكن معظمها حمل مضامين وعناوين قيمية لاتستقيم بأي حال من الأحوال مع ممارسات عكسها سجن جوانتانامو، وأبو غريب، وسجون المخابرات الأمريكية في أفغانستان وعواصم وبقاع مبثوبة على طول العالم وعرضه، فهل يمكن لداعية الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان أن يقيم دعوته على سجون متراصة منتشرة وبشكل سري في بلدان كثيرة؟.. أعتقد جازماً أن الجواب لايمكن أن يكون إلا النفي من ناحية والتأكيد على الزيف والضلال في تلك الدعاوى والتأكيد على حقيقة الإرهاب والإجرام والبهيمية التي تسكن تلك الإدارات وتخيم على تفاصيل «البيت الأسود» وتترجمه تلك الأقفاص الآدمية المسماة سجوناً. والله من وراء القصد.