أعرف يا«وليد» أن عزائي جاء متأخراً، لكنني لم أهادن الموت حتى هذه اللحظة، ولم أتقبل نعيك كما فعل الناس ولم ينتابني احساس رحيلك على غير موعد، رغم رؤيتي لك نائماً في ضريحك، مطمئناً ودياً كالعصافير التي كنت تبالغ في عواطفك حيالها،شوتقرر بشكل قاطع أنها كائنات تحس وتدرك معنى أن نهبها الحياة، ونغدق عليها بالرحمة.. وحينما صعدت إلى السماء شعرت بأنك كنت كثيراً علينا، وأن حياة الشقاء والطين والألم ماعادت جديرة بك، لتؤكد تلك المقولة الخالدة «الأيام لاتأتي بالأفضل» لأنك أفضلنا، وأنبلنا وإن أخلاقك النبيلة كانت أكبر من أن تمس مخلوقاً بالأذى أو تجرح طائراً حط على راحة يدك. وكلما مر وجهك في خيالي، رأيتك باسماً كوجه طفل صباح العيد، مشرقاً كنهار ماطر، تراهن الأسى على أنك لاتنهزم، وتختزل الأمنيات الطيبة لكل المحيطين بك، وتصارع المرض بصمت عجيب، تسأل عنا وتتفقد أحوالنا، والموت رابض أمام سريرك. «وليد» ياصديقي الراحل من بيننا إلى أعماقنا، اليوم فقط أحسست بمعنى أن تكون ضميرنا الجمعي وقاسمنا المشترك، فلم نتفق على شيء قدر اتفاقنا على حبك واحترامك. أقول لك والأسى يعصر قلبي، بأنني ماكنت أرغب في رثائك ولا بالغت في حزني عليك، لكن الألم عصف بي، وأنا أكفكف دمعة حارة انسابت حينما وقفت الجمعة الماضية على قبرك، وقد نقشت عليه حروف اسمك الحبيب إلى قلبي.. ينتابني شعور بأنك ستمد يدك لتصافحني مبتسماً كعادتك، وتذكرتُ كم كنت تنفر من مشهد رجل يبكي فكفكفت دموعي كي لا أجرح مشاعرك. رحمك الله ياصديقي، كم جاهدنا مخلصين وصادقين، نمد أكفنا إلى الله بأن يهبك الحياة ويبرأك من مرضك لكنها الجنة اشتاقت لك.. أسأل الله أن يجعلها مثواك فقد ضنت علينا بطهارة قلبك، وبرآة وجهك أن تبقى بيننا.. ستفتقدك الأماكن ووجوه الناس التي حملت جثمانك باسمة مطمئنة لأنك لاتحب الدموع.