ما جدوى الرثاء، يا صديقي، والموت لا يقرأ.. ما جدوى البكاء، ودموعنا تغري الطغاة ولا تفني القتلة.. ما جدوى الدعاء وقلوبنا خائفة من بَشَر.. ما جدوى البقاء يا "حميدُ" في وطنٍ لا شيء فيه يعني وطن. أي وطن وأكثر ما فيه أسباب الفناء. غذاؤنا سمُ لا يحرمه الجشع، ولا تراقبه أجهزة البلادة. والطب عندنا موتُ، فمن يحاسب "دالا" مجوفةً حين تخطئ أو تنسى، أو لا تجيد القراءة، فتفتي ثم تقدم، مع التحية، تقرير الإفادة. ومسالكنا موتُ تتهم الصيانة والزيادة. ألم تكن في سيارةٍ جديدةٍ؟، ربما حمولتها السبب، فالحب الذي كنته حمولة كبيرة في وطن المآتم. لماذا نقطة التفتيش كانت دون إضاءة؟، لماذا تخفت كلاب الحراسة؟ لماذا يشق اللصوص الطريق وتبقى الحفر؟. "لماذا نموت؟" سؤالً ماجنُ، كافرٌ، إجابته "قَدَرْ". فما رأي القَدرْ حين نسأل "من السبب؟"، خوفنا أم ظلمهم؟، ضعفنا أم بطشهم؟. كَدُّنَا بصمت لنبقى أم جشعهم؟ حسبنا الله إله القَدرْ، فما جدوى الأسى يا صديقي والمآتم لن تمهلنا كثيراً لافتقادك؟، وما جدوى افتقادك في وطن مفقود؟. ذهبت وانتهى الأمر، فلا نشيج "محمود" سيعيد مأواه الرقيق، ولا دموع "جمال" ستعيد صديقه الغالي، ولا كربة العيد سترد للصحافة حرفها اليمني، ولن تفاجئ "الفقيه" عناوين "الحميد". ذهبت جميلاً يا صديقي الجديد، وقد اعتدنا ذهاب أشيائنا الجميلة كما اعتدنا بعد كل فجيعة اكتشاف مناقب الفقيد، فمن منا كان الحب في عينيك يهز كيانه قبل رحيلك؟ من منا لم يكن نجاحك يشعره بالهزيمة؟، من منا لم تستفزه أحلامك العريضة؟ اليوم استعدنا كل شيء، تذكرنا عينيك تستقبلنا مفتوحة وابتسامتك تغمرنا وتسأل: "أهلا يا أخي، فينك؟"، وتضمنا حينا: "يا أخي ليش ما تكتب معانا؟". تذكرنا بأن النجاح الوحيد فينا صار يتيماً، وبأنك كنت وحيداً وأنت تحقق أحلامنا. ذهابك أزال زيف العيد الذي نرتديه فوق كوم من الحزن والضجر والوحدة. لم تتركنا للصدفة تجمع بعضنا فنذكر أن تهاني العيد الذي ولى ما زالت روتينا عالقا. جمعتنا، تعري الفجيعة خوفنا وافتقادنا للسكينة، واستبدلت روتين التهاني بيننا بعبارات أكثر صدقا، فالموتى لا تليق بهم سوى مفردات العزاء. ستبقى يا حميد حلما يراودنا بأن نغدو مثلك، سنعلم أطفالنا الصغار بأن يحلمون أن يكونوا في المستقبل "حميد شحره".