كانت العادات والتقاليد في حفلات العرس اليمني تفرض أن تتم الحفلات في البيوت فإذا كانت البيوت ضيقة يتعاون الجيران في استقبال الضيوف وإقامة العرس في أوسع بيت لديهم ، وكانت تتم الحفلة بجهود ذاتية غير مكلفة من قبل الحاضرين، فهم يشتركون في إعداد الطعام، ومنهم من يغني ، ومنهم من يقول شعراً ارتجالياً مناسباً للفرحة ، ومنهم من يرقص استمتاعاً بالعرس...أي أن كل واحد من الحضور يبرز ما لديه من مواهب وإمكانات لإسعاد العروسين، ويؤدي الواجب وهو مستمتع ، وكانت الأصوات أثناء الغناء طبيعية، لا تخترق سرعة الصوت، لكنها تمتع الحاضرين، وتحفظ حواسهم وأعصابهم من التلف، ولا تزعج أهل الحي بكاملهم، ممن لم يحضروا العرس لظروفهم الخاصة ، وكانت الزفة يمانية الأصل والمنشأ - كلمات وألحاناً وحركات - تحرّك المشاعر وتنمي الذوق الفني وتجعل المحتفلين والمحتفلات حالمين غارقين في جذور الفن والجمال، وكانت غالباً ما تتم حفلات العرس في ليلتي الإثنين والجمعة من كل أسبوع تبركاً بهما، وفي بقية أيام الأسبوع نادراً ما تشاهد فيها أعراس، فكان الناس ينتظرون الفرح ، ويشاركون فيه رغبة بالفرحة وليس فقط مجاملة للعروسين.. أما أيامنا هذه؛ فبفضل الكثافة السكانية، وتشجيع الجمعيات والأحزاب للأعراس الجماعية، وانتشار القاعات والهناجر والخيام، وتطوير المفجرات أو المكبرات الصوتية وتفريخ الفرق الغنائية الإسلامية و(غير الإسلامية ) حسب تعبير العامة في بلادنا، فقد صارت كل حياتنا أجراساً عفواً أعراساً صاخبة دائمة، رغم أنف كل المعترضين والمرضى والعجزة، والذي لا يفرح ولا يزغرد ولا (يتنبع ) طرباً يشرب من البحر، أو يرمي جثته من السطح إذا كان مدخل داره مغلقاً بخيمة العرس، وما عليه - حتى لو كان مريضاً أو في حالة حزن على فقد عزيز - إلا أن يبتلع أحزانه أو يخرجها في صورة نواح أقصد غناء أو زغاريد أو (نبعات) من أجل أن تتم الفرحة للمحتفلين، ولا يهم إن كان ما يتم لصالح العروسين أم لا ، المهم أن تتم (الهيصة) ويسمع بها كل المجتمع المحلي، حتى وإن خلفت ضحايا... هناك مثل شعبي مصري يقول : (الفرح للعروس والعريس والجري للمتاعيس)، والمتاعيس هم الأهل، ومع أن المثل يوحي بمشقة إقامة الأعراس على الأسرة أو المحيطين بالعروسين، فإنه يؤكد ضرورة أن يشعر العروسان بالراحة والسعادة أثناء الاحتفال بهما، حتى لو تعب الأهل فهناك فرحة للعروسين .. لكني لا أظن أن حفلات العرس العصرية في مجتمعنا اليمني تحقق الفرحة للعروسين في ضوء هذا المثل ، فكلما دعيت إلى عرس أحاول أن أبحث عن الجديد الذي يدخل الفرحة في قلب العروس، وينعكس على شكلها وملامحها ونفسيتها، فلا أجد سوى الإرهاق والتعب والذبول والخوف ظاهراً على ملامح العروس، وكأنها في قاعة امتحان تتطلع إلى وقت انتهائه، ولها العذر في ذلك؛ لأنها تؤدي طقوساً مفروضة عليها في ليلة يعتقد الحاضرات أنها أعدت لإسعادها ، والمفترض في هذه الليلة أن تكون العروس سعيدة، وتظهر سعادتها للمحتفلات، رغم أنها تعاني من كل الضغوط النفسية والجسدية بدءاً من التوتر النفسي والتفكير في الحياة الجديدة، وإلزامها بإظهار الابتسامة وتوزيعها على المدعوات مهما كانت ظروفها، إلى حمل الأثقال على جسدها، بما في ذلك فستان العرس ولوازمه التي تجعل جسد العروس منهكاً أكثر من عشر ساعات، خاصة أن مستوى العروس في نظر كثير من الحاضرات يرتفع بزيادة وزن ما تحمله من مرصعات على فستانها وعلى رأسها، وانتهاء باستقبال أذنيها للموسيقى الصاخبة أثناء الحفلة، والتي لا تسمح لا للعروس ولا للحاضرات حتى بتمييز هوية الزفة هل هي يمنية ؟ هندية؟ خليجية؟ أجنبية؟ مخضرية؟ بلا هوية ؟ لا أحد يعرف ما يحدث إلا أن على الجميع واجب الاهتزاز طرباً بما يسمع حتى وإن كان فاقدًا لحاسة السمع.. لم نعد نُدعَى لنستمع في حفلات الأعراس بل صرنا ندعى لنسمع رغماً عنا، وهناك فرق كبير بين السماع والاستماع، ولذلك أنصح العروسين والمدعوين والمدعوات إلى حفلات الأعراس العصرية ممن يمتلكون حاسة التذوق والاستماع والإنصات أن يحملوا معهم عازلات للصوت يضعونها في آذانهم ، إذا كانوا ممن يريدون استخدام آذانهم مستقبلاً بطريقة صحيحة، خاصة وقد صارت هذه الأعراس شبه يومية في ظل تسابق الأحزاب والجمعيات إلى تزويج كل الراغبين في الزواج بغض النظر عن مستقبل الأسر الجديدة، وهل العرسان عاملون منتجون قادرون على تحمل أعباء الأسرة بعد الزواج؟ أم هم من العاطلين الذين سيجلبون للمجتمع أطفالاً جدداً يضيفون مزيداً من البطالة والفقر ؟ فهل نستطيع أن نقف لحظة لنتساءل: متى سيصبح التخطيط للمستقبل جزءاً من تفكيرنا اليومي؟!!!